صروحٌ عظيمةٌ وتاريخ عبق منَّ الله به على الجزيرة العربية، شاهدٌ على عِظم هذه الأمة وتاريخها، فلنتفَاخر بهذا الإرثِ الحضاري المنتشر في أطراف الجزيرة العربية ولنُبْرِزه لأجيالنا الحاضرة ونكتب أهم فصول تاريخ البشرية، إلاّ أنَّ هناك واجباً على علماء الآثار نحو الجيل الصاعد بتعريفهم بآثارنا وتراثنا الفكري والتاريخي العظيم. وكما هو معروف أنَّ لكل جيل طرقه وأساليبه التي ميزه الله بها عن الجيل الذي قبله، ولعل مقولة العالم القديم (لا تكرهوا أولادكم على آثاركم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم) هي بيت القصيد فأصبح الجيل الحالي يتكلم بلغة مختلفة، فهو يجيد التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي ويقضي معظم وقته في مشاهدة برامج التلفزيون، لذلك توجب علينا أن ننقل له تراثنا بأساليبه وليس بأساليبنا ولكن كيف؟
من أنجع التجارب في هذا المجال قنوات التلفزيون العالمية التاريخية مثل (ناشيونال جيوغرافيك) المتخصصة، فقد أنتجت الكثير من البرامج الوثائقية ومسابقات الآثار بأسلوب شبابي محبب وشيِّق، فجذبت المشاهد وزودته بالمعلومة الثقافية العلمية، كما نشرت الوعي بأسلوب ترفيهي بين أجيال شبابية وعلى نفس الخطى نجد أن هناك تجارب واجتهادات مباشرة من قنوات خليجية سارعت وأنتجت برامج تلفزيونية للمسابقات عن الغوص في الخليج لاستخراج اللؤلؤ أو الصيد بالصقور، فنقلت إرث الآباء إلى أبنائنا بأسلوب يفهمه الشباب وبمستوى إنتاج عالمي وبهذا حفظت هذا الإرث الثمين للشباب.
ميز الله بلادنا على سبيل المثال لا الحصر بدروب التجارة وطرق الحج وهي تقطع أرض جزيرتنا العربية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب كدرب زبيدة والشامي واليماني والأخرجة واليمامة وغيرها، ولعل أشهر هذه الدروب هو درب زبيدة وقد حقَّقَه الكثير من علمائنا ولعل على رأسهم البرفسيور سعد الراشد وبه 27 منزلا وهو مثال جيد لهذه الفكرة، فلو أجريت مسابقة بين فرق تمثل مناطقنا الثلاثة عشر وتسابقت هذه الفرق على الجمال على هذه الدروب لتحديد المنازل، وفي كل مرحلة يحاول الفريق أن يستدل على المنزل ويأخذ الوصف للدرب من مقاطع من كتب التراث ككتاب الطريق لوكيع تحقيق حمد الجاسر والاستدلال بأرجوزة من هذا الكتاب، وبذلك يستطيع كل فريق أن يستدل بعلامات الطريق وشواهده من كتب الشيخ عبدالله الشايع أو كتاب عوض السرور الذي حدد المواقع ووصفها في كتابه ( المصور الفريد لدرب زبيدة )، أو وصف مايوجد بها من آثار في كتاب درب زبيدة للراشد، وبهذه المسابقة نستطيع أن نحيي كتب التراث ونجلّ علماء أفنوا حياتهم للتراث ونحيي هذه الدروب ونبرزها، ويكون لكل منزل جائزة باسم أحد علمائنا وفي نهاية المراحل تكون الجائزة الكبرى باسم أمير التراث، وفي كل موسم تنظم مسابقة ولكن من خلال سلك درب جديد كطريق البخور أو طريق الهجرة أو حتى دروب ورحلات المستشرقين تكريما لهؤلاء العلماء والرحالة وبهذا نتقرب لشبابنا ونعرِّفهم بتراثنا ونقوم بالتعريف بمواقعنا التراثية بشكل تفاعلي وجذَّاب. وفي جانب آخر من عالم الشباب ألا وهو الرياضة وأخص بالذكر رياضة السيارات وسباقاتها، لو أقيمت سباقات الراليات المحبوبة لدى شبابنا على طرق البخور والحرير وسميت بأسمائها لاكتسبت هذه السباقات شهرة دولية وذلك لشهرة هذه الطرق عالمياً ولاستطاعت تلك السباقات أن تجلب الدعم المالي عن طريق رعاية شركات شهيرة ومهتمة، ولعلّ الأرقام في التجارب العالمية خير دليل، فرالي دكار لعام 2014م أدرَّ على الاقتصاد الأرجنتيني حوالي 600 مليون ريال وضخَّ للاقتصاد البوليفي حوالي 240 مليون ريال، إذن بتنظيمنا لهكذا فعاليات نصطاد طائرين بحجر واحد، أولاً الدعم المادي لدعم الأبحاث والاكتشافات الأثرية والتقرب إلى شبابنا ونقل تراثنا لنا بطرقهم وأساليبهم.
- د. الوليد عبدالله العيدان