من مرابع امرئ القيس إلى منازل حاتم الطائي ">
في يوم الاثنين 22 أبريل 2013 كان علينا أن نقوم بزيارة إلى جبل « طميّة» لتصويره والوقوف على المنطقة التي يقع فيها. الجبل أسمر على أحمر، هو جبل متميز وحده في المنطقة، وتحاك حوله أسطورة طيرانه من الحجاز إلى المنطقة التي يقع بها الآن على أطراف القصيم بالقرب من عقلة الصقور. الجبل مستطيل ومتميز جدا بهذا الشكل المستطيل المرتفع، تتساقط منه الحجارة والحصى الحمراء، وفي أعلاه توجد أشجار نابتة وطيور وغدران.
بعد أن أكملنا تصوير « طمية» وأدينا صلاة الظهر ، انتقلنا إلى وادي الذهب أو :» مهد الذهب» حيث مناجم الذهب المتعددة، ومنجم « الصخيبرات» قمنا بتصوير جبل متكسر اسمه:» الصقير» أو « المصيقر» وصورنا الوادي الكبير الذي كان يتبع قبيلة عبس والعلم السعدي.
كان علينا أيضا أن نمضي مسرعين لتصوير بلدة :» صُفيْنة» قبل حلول الظلام، وقبل أذان المغرب، وقرية صفينة هي قرية الشاعرة العربية الأشهر : « الخنساء» (تماضر بنت عمرو) التي رثتْ أخاها « صخر» بقصيدة من عيون الشعر العربي وفيها هذا البيت الشهير:
وإنّ صخْرًا لتأتمّ الهداة به
كأنه علم في رأسه نارُ
ومطلعها المعروف:
قذىً بعينك أم بالعين عوّارُ
أم ذرّفتْ مذْ خلتْ من أهلها الدّارُ ؟
ومما يُروى عن الخنساء أنه بعد وفاة أخيها: صخر صنعت ( صديْريّة) من شعرها، حيث قصّتْه كاملا وصنعتْ منه قميصًا ظلت ترتديه طوال حياتها ، حتى إنها قابلت الرسول صلى الله عليه وسلم عند إسلامها وهي ترتديه، واستمع الرسول الكريم لبعض قصائدها في صخر.
والخنساء التي استشهد أبناؤها الأربعة في موقعة :» القادسية» لم ترث أبناءها، وقالت: «لقد شرفني الله تعالى باستشهادهم» .
سوف نقطع مسافة 286 كيلو متر للوصول إلى :» صُفينة» من عند جبال :» طُميّة».
سرنا على الطريق السريع بين القصيم والمدينة المنورة ثم انحرفنا يسارًا باتجاه :» صُفينة» قبل الغروب بنصف ساعة، قطعنا طريقًا مسفلتًا لكنه غير مزدوج بمعنى أنه يشكل طريقا للسيارات الذاهبة والآيبة.
كان الطريق يقطع المرتفعات والأودية، وكنا حذرين نوعا ما بالسير فيه.
كانت الأرض من حولنا سوداء صخرية، لأن هذه المنطقة منطقة براكين منذ ملايين السنين، وبها مناجم كثيرة للذهب.
حين وصلنا إلى:» صفينة» سألنا بعض سكان القرية عن مرابع الخنساء وديار قبيلتها فأشاروا لنا إلى أنها على بعد أمتار ، فذهبنا سريعا وقمنا بالتجول السريع فيها، وقمنا بتصويرها.
كانت الديار عبارة عن بيوت طينية من دور ودورين، وحارات وأزقة صغيرة. كانت البيوت مهجورة بالطبع، ولا أحد يسكنها. كانت أساساتها من الحجارة الصخرية المجموعة من الأرض الصخرية البركانية القريبة ، ويبدو أن هذه البيوت مبنية منذ 200- 300 عام ، وقد محت السيول والأمطار بعضها ، وبقي بعضها الآخر، ويبدو كذلك أن من يقومون بسكناها كل حين يقومون بتجديد بنائها أو ترميمها بين مرحلة وأخرى، لكن أساساتها تظل باقية كما هي لا تتغير، حين تُهدم الجدران أو تسقط بفعل الأمطار.
هذه هي ديار « الخنساء « إذن، وفي القرب منها بستانُ نخيلٍ واسعٌ وممتدٌّ ، لكنه نخيل تكسرتْ جذوعه ورؤوسه، فلم يعد يطرح تمرًا ، وهناك نخلاتٌ كثيرةٌ متكسرة مُنْقعرةٌ ساقطةٌ على الأرض.
قمت بتصوير مجموعة من اللقطات لقرية « صُفيْنة» القديمة ولم أجد أية إشارات تدل على « الخنساء» هذه الشاعرة العظيمة، سوى محطة وقود وبقالة كُتب لها لافتة بعنوان: «محطة وبقالة الخنساء»
هذه الديار المهملة كانت ديار الخنساء وقبيلتها من بني سليم الذين هاجروا جميعا بعد الإسلام إلى العراق، وسكن القرية أقوام من قبيلة :» مطير».
تستطيع أن تجد في القرية بعض اللقى، وقد عثرت على مجمرة وإبريق قديم ، ولكن قال لي الزملاء : إنها ليست تراثية بل ربما تكون من 15 سنة أو تزيد قليلا، فلم أحملهما معي ، وتركتهما في مكانهما.
بعد ذلك وقبل الغروب مباشرة انتقلنا لتصوير جبل :» علم» الذي استدعته الخنساء في قصيدتها الرائية في رثاء أخيها صخر :
«كأنه علمٌ في رأسه نارُ».
قمنا بأداء صلاة المغرب قبل خروجنا من قرية:» صفينة» ثم ركبنا سيارتينا نحن الخمسة في طريقنا إلى مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
قطعنا مسافة أكثر من 200 كيلو متر من قرية: « صُفيْنة» إلى المدينة المنورة، وبمجرد دخولنا أطراف المدينة المنورة توقفنا ساعة ونصف بسبب الزحام أمام مطعم اسمه: « البيك» يعد أنواعًا من الدجاج المشوي، والمقلي، والبروستد، وكنا لم نتناول الطعام لأكثر من 12 ساعة ، لكننا كنا نستشهد بقول الشنفرى دائما:
«أُديمُ مِطَالَ الجوع»
حملنا طعامنا إلى حيث الأجنحة المفروشة واسمها: «أجنحة سندس المفروشة» بجوار بنك الراجحي في أطراف المدينة المنورة من مدخل طريق القصيم- المدينة المنورة السريع.
كنا قبل وصولنا قد عبرنا نقطتي تفتيش ولم نتوقف فيهما كثيرًا ، حيث سمح لنا بالمرور .
دخلنا شقتنا بالطابق الخامس وكانت عبارة عن غرفتين واسعتين جدا بأربعة أسرّة، اغتسلنا سريعا من آثار السفر، وتوضأنا وصلينا صلاة العشاء، ثم بعد أن تناولنا وجبات الدجاج المجهزة، واحتسينا شايا مسائيا، خلد كل منا للنوم، نام الصقعبي والرشيد في غرفة بها سرير كبير ، ونمت أنا والدكتور عيد اليحيى في غرفة كبيرة واسعة بها ثلاثة أسرّة فردية، فيما - كعادته- فضّل المصور طارق المطلق الذي رافقته كثيرا في صعودنا بعض المرتفعات الوعرة طوال الرحلة فضل النوم على الأرض رغم وجود سرير خال، وكنت مثله أحيانا أنام على الأرض التي نحبها وتحبنا.
في صباح يوم الثلاثاء الساعة 5.30 استيقظت، وصليت الفجر، ثم اتصلت بالأسرة في الرياض للاطمئنان عليهم ، حيث يستعد الأولاد للذهاب للمدرسة مبكرا.
ثم في السادسة والربع نهضت لكتابة هذه الكلمات، وشحن بطارية الكاميرا الصغيرة وشحن الموبايل الصغير جدا بلا كاميرا حيث لا أستعمل الموبايل سوى في المكالمات الضرورية فقط، وأفضل استثمار الوقت في القراءة والكتابة.
الساعة الآن 7.39 صباحا، في انتظار استيقاظ الزملاء لزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وزيارة: «البقيع» حيث مقابر الصحابة رضي الله عنهم، وقراءة الفاتحة على أرواحهم الطاهرة، ثم الانطلاق إلى موقع سباق: داحس والغبراء.
الثلاثاء 23 أبريل 2013 الساعة 7.41 صباحا.
- عبدالله السمطي