«التخطيط الإستراتيجي أنموذجاً»
د. عبدالعزيز بن ناصر الشثري ">
في ضوء حرص القيادة الرشيدة للمملكة العربية السعودية على أن تحتل المملكة العربية السعودية مكانة متميزة بين دول العالم، ولقناعتها بأن التعليم الجامعي أحد أسس تقدمها وتدعيم قدرتها على المنافسة العالمية؛ فقد كان لزاماً على الجامعات السعودية أن تسعى للظفر بمكانة متميزة بين الجامعات الإقليمية والعالمية، ولكي يتم ذلك وجب على الجامعات امتلاك خطط إستراتيجية للعمل وفقاً لها، على أن تتفق هذه الخطط الإستراتيجية مع توجهات المملكة، والخطط الخمسية التنموية.
ونظراً لما تشهده الجامعات السعودية من تزايد في عددها حيث أصبح عددها يفوق (30) جامعة ونظراً لما تواجهه في العصر الحالي من تحديات كبيرة تؤثر في سياساتها وإستراتيجياتها وبرامجها، وبسبب التقدم المعرفي والتقني تحول خريجو الجامعات من المنافسة المحلية إلى المنافسة العالمية، كما تحولت معايير جودة الأداء من معايير محلية إلى معايير عالمية، وتحولت الجامعات من الأداء التقليدي إلى الأداء القائم على التنافسية، وفي ظل كل تلك التحولات أصبح لزاماً على الجامعات السعودية أن تسعى إلى تحسين قدرتها التنافسية على المستويين الإقليمي والعالمي، والتي يلزم لتحقيقها الاعتماد على التخطيط الإستراتيجي بالجامعات.
وتتحدد القدرة التنافسية للجامعات بمدى قدرتها على مواجهة التهديدات ونقاط الضعف والتحديات البيئية، فهي تجعل الجامعة في مركز تنافسي أفضل, وتعطيها القدرة على البقاء والاستمرارية والنمو، كما تظهر تنافسية الجامعات من خلال الاستثمار الأمثل والمتميز لقدراتها وإمكاناتها في تدعيم مركزها التنافسي ومواجهة تحديات المنافسة.
وتعرف الجامعات ذات القدرة التنافسية بأنها الجامعات التي تستطيع الحفاظ على استمرارية تحسين جودتها التعليمية عبر الزمن، أو زيادة الطلب عليها، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع قيم التنافسية ومؤشراتها لهذه الجامعات، ومن ثم حصولها على مراكز متقدمة في الترتيب العالمي للجامعات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية.
وتزامناً مع التوجه نحو التنافسية العالمية في مجال التعليم؛ فقد ظهر التخطيط في النظم التعليمية متأخراً, وذلك عندما شهدت بعض الدول سلسلة من الأزمات التعليمية في غرب أوربا والولايات المتحدة, وما استوجبته من إصلاحات، فكان التركيز على التخطيط الإستراتيجي كمنهجية مؤكدة للإصلاح، حيث بدأ التركيز عليه بالمؤسسات التعليمية, ومنها الجامعات بشكل أكثر عمقاً بهدف تحسين قدرتها التنافسية.
ويعمل التخطيط الإستراتيجي على تحديد مواطن القوة ومواطن الضعف داخل المؤسسة التعليمية التي تَكْمُن في المستقبل؛ وذلك لإيجاد أساس يُمكن للجامعة أن تعتمد عليه في اتخاذ قرارات حالية, تؤدي إلى الاستفادة من الفرص المتاحة وتجنب التهديدات التي خارج المؤسسة التعليمية، ولهذا فالتخطيط هنا يعني تصميمًا للمستقبل المرغوب, وتحديدًا للوسائل الكفيلة بإحداثه.
وتختلف مراحل التخطيط الإستراتيجي باختلاف نموذج التخطيط الإستراتيجي، إلا أنه يمكن أن يمر التخطيط الإستراتيجي في الجامعات السعودية وفق المراحل التالية: تحليل البيئة الداخلية والخارجية للجامعات, (وتوجد عدة أساليب لتحليل بيئة الجامعة, لعل من أشهرها أسلوب التحليل الرباعي لتحديد نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات S.W.O.T. analysis)، وبمشاركة جميع الأطراف المعنية بالتعليم.
لذا يجب أن تتضمن عملية التخطيط الإستراتيجي بالجامعات السعودية مجالات القدرة التنافسية، والتي تشمل (المستوى النوعي للخريجين، والبحث العلمي، والاستشارات العلمية وغيرها، والمشروعات العلمية، والبرامج التدريبية لمؤسسات المجتمع، والكتب والمؤلفات العلمية الموجهة لخدمة المجتمع، والمؤتمرات والندوات).
وفي ظل ما تم عرضه من مجالات القدرة التنافسية، ولكي تنجح الجامعات السعودية في استخدام التخطيط الإستراتيجي لتحسين قدرتها التنافسية؛ فإن ذلك يتطلب كثيراً من الأمور، حيث يجب وضع نموذج موحد للتخطيط الإستراتيجي بالجامعات السعودية يتوافق مع نموذج الخطة الإستراتيجية لوزارة التعليم، يكون هدفه تحسين القدرة التنافسية العالمية، وأن تتبنى الجامعات السعودية الإستراتيجية التنافسية, وذلك من خلال (اتخاذها خطوات تمكّنها من الحصول على مزايا أفضل من منافسيها سواءً على المستوى المحلي أو العالمي، ولجذب المستفيدين من خلال تحقيق القيمة لهم, وتقديم الخدمات لهم بشكل متميز وإيجابي عن الجامعات الأخرى المنافسة)، وكذلك ضرورة تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية بمجال التخطيط الإستراتيجي, وإقناعهم بتأثيره الإيجابي على تحسين القدرة التنافسية فيما بين الجامعات من خلال حضور (ورش عمل، دورات ومؤتمرات متخصصة داخلية وخارجية)، وتعزيز التبادل الثقافي والتفاعلي الإيجابي مع الجامعات العالمية، ودعم اتفاقيات العقود البحثية مع المراكز البحثية العالمية والجامعات المتميزة، وزيادة تحفيز أساتذة الجامعات من خلال توفير بيئة أكاديمية تنافسية محفزة للإبداع والابتكار والإنتاج، وتشجيع الباحثين والدارسين في الجامعات على إعداد دراسات منهجية متخصصة عن التخطيط الإستراتيجي, وتذليل التحديات المادية والبشرية التي تواجه عملية التخطيط الإستراتيجي بالجامعات السعودية, والتي قد تعيق من تحسين قدرتها التنافسية، حيث يجب أن تتسم (الرؤية, والرسالة, والأهداف) في الجامعات السعودية بالمرونة والقدرة على التكيّف مع التغيرات غير المتوقعة التي قد تؤثر من الوصول لتحقيق هذه الأهداف، كما وأنه من الضروري إنشاء وحدة خاصة بعمليات التخطيط الإستراتيجي في كل جامعة سعودية وذلك لتعمل على تقديم الخطط ومتابعة تنفيذها والرقابة عليها.
أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي بجامعة الإمام