عبدالعزيز محمد الروضان ">
ما من ذاتٍ إنسانيةٍ لها صلةٌ برب هذا الكون ومدت جسور المعرفة به إلا هي ذاتُ تعيش في أفقِ رحبِ، تشعر بالطمأنينة والسكينة والسلام.. وما من ذاتٍ إنسانيةٍ قطعت أواصر المعرفة برب هذا الكون إلا هي ذاتٌ مهترئةٌ ممزقة الأوصال، روحها وجسدها في نضالٍ مستمر مع بعضهما البعض. إن الذات السوية هي تلك الذات التي تعيش اللحظة الراهنة مطوحة بعيداً بماضٍ له أحزانه، ولا تفكر في مستقبلٍ له مخاوفه.. ومثل هذه الذات السوية قد وصفها الله تعالى في وحيه الطاهر بقوله تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ إذاً إن الذات التي تنكأ جراح الماضي وتتوجس تبعات المستقبل هي ذاتٌ تعيش مكدودةً لا تعرف طعم السعادة! وإن الخلاص من ذلك أن ترتمي هذه الذات في أحضان اللحظة الراهنة التي لا نكد فيها ولا ضيق. إن الذات التي تعيش بين ماضٍ سحيق ومستقبلٍ مخيف هي ذاتٌ محرومةٌ من متع الحاضر.. والذات السوية التي تنشد السعادة هي تلك الذات التي تُرخي القبضة على نفسها، فإن جلد الذات ولومها المستمر هو الشقاء بعينه.. وإن رضا الذات عن نفسها مهما كانت مخرجاتها هو العيش بسلام.. والذات التي تتوق إلى العيش بسلام لابد أن تتلمس دروب السعادة وهي في هذا الظلام الدامس ولن تجدها إلا في طريقٍ واحد وهو المفضي إلى محاريب الإيمان وهو العيش في دور العبادة، وما سوى هذا الطريق ليس فيه إلا البؤس والحسرة. وهي أيضاً تلك الذات التي لا تحارب سنن الكون ومن سننه ظاهرة التغيير، فالكون في تغير مستمر لا يعرف للركود طريقاً.. فالتكيف مع التغيير فيه الفسحة ومن ثم تجديد الآمال. وإن أهم اكتشافٍ تكتشفه الذات الإنسانية في هذا الوجود هو اكتشاف ذاتها على حقيقتها والتصالح معها مهما كانت عيوبها.. فالحياة طُبعت وجُبلت على المكاره ومرارة الآلام، وأن التكيف مع تلك الظروف هي من مسؤولياتك أيتها الذات.. فالذات السوية تستطيع أن تجعل من الآلام لذة وسعادة إذا عرفت أنه ما من شيء يحصل إلا ومعه الخير المحض وإن كان ظاهره الشر المحض.. يقول عيسى عليه السلام: «كل الأشياء تعمل للخير» على أن السعادة الحقة لا تجذبها العوامل الخارجية الجميلة ولا تنغص عيشها العوامل الخارجية المحزنة -كلا- فالسعادة الحقة هي تلك السعادة التي تنبع من الداخل بوجود هذه العوامل أو بعدمها سواء كانت مفرحةً أو محزنة. فمعركة العادة هي نفسك الداخلية فهي أرض المعركة التي تناضل بها من أجل السعادة، فإن كسبت هذه المعركة فزت وإن خسرتها شقيت.. قال المهاتما غاندي ذات يومٍ «الشياطين الوحيدة في العالم هي التي توجد داخل نفوسنا وهذا هو المكان الذي يجب أن نخوض فيه المعركة» إنه يجب على الذات أن تعيش في أحضان النور لا في براثن الظلمة، ولكن المشكلة أن بعضنا يخاف النور الذي به تنكشف ذواتنا على حقيقتها.
فالسعادة إذاً رحلةٌ مستمرةٌ تكمن لذتها في البحث عنها على الدوام.
فعن طريق التفاؤل تُرى نجوم السماء تتلألأ في النهار، وبالتشاؤم لن ترى نور القمر وإن كان بدراً.
ومن المؤكد أن تحقيق الأهداف وبلوغ أوج النجاح يجلب السعادة، لأن الطريق إلى تحقيق السعادة ألذ من الوصول إليها وتحقيق الأهداف فيها. وإن العيش دون هذه الانتكاسات يجعل من الحياة روتيناً مملاً. والتأمل في الكون في عظيم قدرة الله يبلسم الجراح ويُشفي الصدور.
وإن الدين هو القوة الوحيدة التي يمكنها أن تعين الإنسان على حل مشاكله المنظورة وغير المنظورة التي لا مفر منها والتي لا تفتأ تقض مضاجع البشرية.