تعود الحياة مجدداً الى مدينة تعز بعد تسعة أشهر من الحصار المطبق الذي فرضته ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية على المدينة ومنعها وصول الماء والغذاء والدواء لسكان المدينة.
انكسار الميليشيا الانقلابية وتلقيها هزيمة شنعاء وهروب أفرادها من داخل معسكرات ومواقع التمركز غرب وجنوب المدينة وعدد من الأحياء حاملين معهم خيبات الأمل ، بعد أن لقنتهم المقاومة وقوات الجيش دروساً لن ينسوها على مر الزمان ، وضرب لهم أبناء تعز أروع الأمثلة في الصبر والتضحية والشجاعة والصمود .
شوارع تعز عادة كما كانت تعج بالناس الذين خرجوا من منازلهم صغارا وكبارا رجالا ونساء غير مكترثين لتحذيرات السلطات المحلية وقيادة الجيش والمقاومة من وجود كميات كبيرة من الألغام التي زرعها الانقلابيون في طرقات وأحياء المدينة قبل فرارهم منها ، بطرق وأساليب مبتكرة ، خرج الناس فرحين يعبرون عن تعطشهم للحرية والكرامة والحياة ، وهم يرددون الزغاريد ويؤدون الرقصات والأهازيج ويتلون تراتيل ومواويل الانتصارات احتفاءً بالنصر وفك الحصار واحتفاءً بأبطال الجيش والمقاومة الذي حققوا انتصارات عظيمة وألحقوا بالانقلابيين هزيمة شنعاء وأخرجوهم من مدينتهم الحالمة وهم أذلة صاغرين .
تعز .. تنتصر ، ومنها نستمد الأمل بعد ان نجحت فيها عملية إعادة الأمل للتحالف العربي ، ومنها نتلقى بشائر النصر والتحرير لليمن السعيد ، ليعود كما كان سعيد .
تعز .. لم تنتصر فحسب وإنما صنعت بنصرها معجزة ستضل تستلهم منها الأجيال عنفوان الشموخ والعزة والكرامة .. تعز هي كما قال عنها وزير حقوق الإنسان اليمني عز الدين الأصبحي في أول تعليق له بعد دحر الانقلابيين منها « لا تنتصر في فك الحصار فقط ، ولكن نصرنا في توحيد الصف وتقديم النموذج الإيجابي للدولة المدنية الحديثة ، وإن معركة تعز وكل إقليم الجند لم تبدأ بعد كون الانتصار على التخلف والانعتاق من القهر التاريخي هو النصر الحقيقي « .
إن النصر الذي انطلق من تعز الحالمة هو إعلان عن بشائر النصر والتحرير المرتقب لليمن من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى أقصى شماله ، وهو إيذاناً ببدء بعملية الخطوات الحقيقية لتحرير صنعاء التاريخ والحضارة من سيطرة الانقلابيين ، وتحريرها كما اعتقد لن يستغرق وقت طويل بل سيكون أقل مما نتوقع ، ستكون عملية سريعة وخاطفة مثلما كان دخول الانقلابيين إليها سريع وخاطفاً ، وهكذا تكون تعز المحررة قد مثلت منطلقاً لتحرير بقية أجزاء الوطن، وستكون مدينة الحديدة هي التالية بعد تعز للوصول إلى صنعاء من البوابة الغربية .
الأيام القادمة بما ستحمله من متغيرات ميدانية ستكون كفيلة بأن تثبت أن انتصار الشرعية اليمنية في تعز وتحريرها من الانقلابيين، كان هو بداية الطريق الحقيقي لاستكمال تحرير ما تبقى من المدن اليمنية وصولاً الى صنعاء وجبال مران .
الانقلابيون حينما احتلوا مدينة تعز وحشدوا اليها عددا كبيرا من المقاتلين من عناصر الميليشيا وزودوهم بكميات كبيرة من السلاح والذخيرة ووجهوا صوب أحيائها السكنية وسكانها الذي كان معظمهم من نساء والأطفال، نيران وقذائف أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وارتكبوا بحق أهلها مجازر تلو المجازر وفرضوا حصارهم المطبق على المدينة طيلة تسعة أشهر واستخدموا فيها كل أدوات ووسائل الإجرام كي يخضعوا أهلها ، لكنهم منوا بخيبة أمل فانكسرت أحلامهم وتحطمت أمام صمود أسطوري نادر ، لم يكونوا يتوقعوه من مدينة مدنية مسالمة حالمة .. الانقلابيون كانوا يدركون منذ البداية أن تعز ستكون الحصن الحصين للوطن وهي بوابة النصر والتمكين ، لذلك وضعوا فيها ثقل إجرامهم وارتكبوا فيها ما ارتكبوا من أبشع الجرائم والانتهاكات التي تجاوزت ببشاعتها قواميس الأجرام على مر التاريخ .
تعز .. بعد ان لاحت اليوم في أفقها تباشير النصر ومنها سيعم السلام والأمان إلى كل أرجاء الوطن ، لن تكون سوى تلك المدينة المدنية الحالمة وستظل كذلك ولن تتغير ، وستعود اليها الحياة مجدداً وستتعافى من جراحها سريعاً لأنها مدينة تختلف عن غيرها بكل ما فيها .
في الأخير .. هي دعوة نوجهها للمقاومة ولأبناء تعز « حافظوا على ما حققتموه من نصر واستفيدوا من الدرس .. أعيدوا للمدينة حياتها بتكاتفكم ازرعوا البسمة والأمل في شفاه وقلوب أطفال ونساء تعز ، وباشروا عملية الإعمار وإزالة كل التشوهات التي أحدثتها عصابة التمرد والانقلاب ، كي يعود الناس الذين شُردوا وهجروا الى منازلهم ، وكي تعود الحياة مجددا الى مدينتكم الحالمة ، سارعوا في تضميد جراحكم وجراح مدينتكم ، وابعثوا منها رسائل السلام والوئام لتعم المحبة والصفاء كل أرجاء الوطن ، وامنحوا الآخرين دروساً فيما صنعتموه علها تفيدهم في مستقبل الأيام ، أعيدوا للمدينة مدنيتها وحافظوا على قدسية نضال أبنائها واجعلوها في معاجم التاريخ أنموذجا مشرفا للصمود والسلام .. ودمتم ودامت مدينتكم بخير .
بشير عبدالله
Yaljazeera@gmail.com