د.عبدالعزيز بن ناصر الشثري
د. عبدالعزيز بن ناصر الشثري ">
في خِضم ارتفاع مستوى حدة المنافسة العالمية؛ تسعى كثير من الدول ومن خلال التخطيط لإحداث نقلة نوعية في جودة الأداء بمؤسساتها التعليمية المختلفة وخاصة الجامعات، للارتقاء بجودة مخرجاتها؛ وذلك لمحاولة جعلها خالية من الأخطاء قدر المستطاع، ولهذا فإنه نظراً لارتفاع مستوى طموح رجالات قيادة دولتنا الحكيمة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله، واتضح هذا جلياً حينما أصدر أمره الكريم بإنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي والذي يرأسه ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وأن دلّ هذا فإنما يدل على الحرص على تجويد الأداء بالمؤسسات العامة بالدول والمؤسسات التعليمية وعلى رأسها الجامعات، حيث إنه في الآونة الأخيرة أصبح لزاما على الجامعات أن تتبنى وتواكب هذه الاتجاهات الحديثة التي تضمن جودة الأداء بها, ويجعلها تحتل مكانة متميزة في التصنيفات العالمية للجامعات.
ولعل من أهم هذه الاتجاهات مدخل الستة سيجما الذي يضمن تحقيق أعلى مستوى من جودة الأداء بالجامعات؛ ويعني أيضا أن الجامعة تحقق أو تسبق توقعات عملائها بمستوى عالي الدقة في الأداء بالعملية الواحدة أو المنتج الواحد، وذلك في عمليات التعليم, أو البحث العلمي, أو خدمة المجتمع بالجامعات السعودية، ومخرجاتها المتمثلة في مستوى الخريجين، وملاءمتهم لمتطلبات المجتمع واحتياجاته، وكذلك ما تنتجه من أبحاث علمية، وخدمات للمجتمع بأفراده ومؤسساته.
ويتميز مدخل الستة سيجما عن كل مبادرات الجودة الأخرى بما يتضمنه من استخدام الأدوات الإحصائية ضمن منهجية ذات بنية محكمة لاكتساب المعرفة المطلوبة لتحقيق منتجات أفضل، وبشكل أسرع، وبتكلفة أقل، ومن خلال تقديم خدمة أفضل من المنافسين، كما أنه يعتمد على التحليل المتزايد للبيانات والإحصائيات للتعرف على مواطن الخلل والعيوب في الإجراءات أو المنتجات؛ وذلك للعمل على معالجتها بشكل دائم، ومحاولة تقليل نسبة احتمال حدوث الأخطاء لتصل إلى (صفر) كلما أمكن ذلك.
وبدأ تطبيق فكرة سيجما بالمؤسسات التجارية الربحية, واستطاعت بعض المؤسسات من خلال استخدامه الفوز بجائزة (مالكولم بالديرج) للجودة والتميز، وتقليص عدد المنتجات المعيبة، وتوفير 5% من تكلفة الإنتاج كانت تنفقها على إصلاح المنتجات المعيبة أو إتلافها، وتوفير 2,2 بليون دولار خلال أربع سنوات، مما جعل المؤسسات الكبيرة الأخرى تنهج ذات الطريق، وتوالت المؤسسات المختلفة التي تبنت هذا التطبيق لما وجدت له من فوائد متعددة وجوهرية، ثم انتقل تطبيق هذا المدخل إلى المؤسسات الخدمية (الصحية والتعليمية) نظرًا للدور الذي يؤديه هذا المدخل في تحقيق أعلى مستوى للجودة، وأقل إعادة للعمل، وأعلى إنتاجية، وأقل تكلفة، وتحقيق رضا العميل، وأعلى ربحية، وبدأ ينتشر بالمؤسسات التعليمية، وانتشرت الأدوات التي تستخدم في تطبيقه بالجامعات.
ولهذا فإن مدخل الستة سيجما يعد إستراتيجية للتغيير الجذري, يعتمد على الجمع الدقيق جداً للبيانات، والتحليل الإحصائي لها؛ لتحدد بدقة مصادر الأخطاء وطرق إزالتها في عمليات الجامعة وأنشطتها، مما سيجعل قيادات الجامعات السعودية فاعلين أكثر تجاه تحقيق الجودة في الأداء والمخرجات، وذك من خلال تطبيق هذا المدخل على كل نشاط من أنشطة الأداء، والسعي لتقديم قيمة أفضل لجميع الأطراف المعنية، وتحقيق جودة أعلى بتكلفة أقل، وبناء سمعة جيدة للجامعات والكليات المختلفة.
وعليه فإن تطبيق هذا المدخل بالجامعات في المملكة العربية السعودية سيركز بصفة أساسية على رضا منسوبي الجامعات بمستوياتهم الوظيفية الأكاديمية والإدارية المختلفة، وكذلك رضا المستفيدين من الجامعات (أولياء الأمور، والمؤسسات الحكومية، والقطاع الخاص، والحكومة، وغيرها) رضا تاماً عن جودة العمليات التي تتم داخل الجامعات، وذلك من حيث مستوى التعليم والبحث العلمي والخدمات التي تُقدم للمجتمع، والخريجين، وذلك بأقل تكلفة وأعلى جودة، بما يساعدها على المنافسة عربيا وعالميا.
ويمر تطبيق مدخل الستة سيجما بخمس مراحل, تسمى (DMAIC) وهي اختصار للأحرف الأولى من مراحل التطبيق (التعريف Define - القياس Measure - التحليل Analyze - التحسين Improve - الضبط Control ).
ولذا فإنه يتطلب لممارسة مدخل الستة سيجما بمؤسسات التعليم الجامعي بالمملكة العربية السعودية ضرورة الالتزام الكامل من وكالة الجامعة للدراسات والتطوير والاعتماد الأكاديمي لكل جامعة من الجامعات السعودية من إجراء دراسات مسحية بصفة مستمرة لتحديد متطلبات رضا الأطراف المعنية بالجامعات السعودية، وأن تتبنى سياسة تأمين المستلزمات بناءاً على معيار الجودة لا على معيار السعر، وتفعيل وأهمية توظيف استخدام التقنية والأدوات الإحصائية الدقيقة في جمع البيانات والمعلومات، وتحديد الأدوار والمسؤوليات التي يمثلها أعضاء الفريق حتى يتم تحقيق النتائج بفاعلية، ودمج عمليات التقويم والتخطيط للتحسين في عمليات التخطيط المعتادة وتصبح جزءاً منها، وكذلك من الأهمية ضرورة مشاركة أعضاء هيئة التدريس في أنشطة التطوير المهني لتحسين جودة أدائهم التدريسي من خلال (التركيز على العمليات والأنشطة الداخلية التي تتم داخل الكليات، الإدارة بالمبادأة،.. إلخ)، وتوفير الموارد المالية الكافية لتقديم جودة عالية، وتحديد محكات لتقويم الأداء وإجراءاته، وتحديد المتطلبات اللازمة للتحسين بشكل واضح في الحالات التي يعتبر الأداء فيها غير مرضٍ.
- أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي بجامعة الإمام