قلت للمملكة ودول الخليج لا تتأخروا في ترحيل أي لبناني قام بالإضرار بدولكم ">
بيروت - منير الحافي:
يحرص رئيس مجلس الوزراء اللبناني تمام سلام على تأكيد موقفه الشخصي وموقف لبنان من العلاقة الطيبة والتاريخية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، والقائم على الاحترام وحفظ الجميل، والأمل بحاضر ومستقبل واعد. لذلك، حرص الرئيس سلام على دعوة مراسلي الصحف الخليجية في لبنان إلى لقاء معه في مقر رئاسة الوزراء في «السراي الكبير»، حضرته «الجزيرة».
اللقاء الذي دام ساعة، كان بمثابة تداول مع الزملاء من دون سؤال وجواب، لكن السؤال الذي قد يكون الوحيد المطروح من قبل الصحافيين: هل يمكن تغيير موقف حزب الله من هجومه على المملكة وعلى دول الخليج؟
والجواب: أن الرئيس سلام يسعى بكل ما أوتي من قوة، ليعمل على اتجاهين: محاولة تغيير موقف حزب الله بهدوء وسعة صبر، والثاني أنه لن يخجل من توضيح موقف لبنان الرسمي القائل إن العلاقة مع السعودية ودول الخليج العربية أكثر من ضرورية بل مصيرية بالنسبة للبنان.
الرئيس سلام بدأ كلامه بضرورة السعي «لتوضيح الصورة إلى دول الخليج الشقيقة، حمايةً للبنان واللبنانيين»، خصوصاً اللبنانيين المنتشرين في دول الخليج، ومعروف أن مساهماتهم في تلك الدول كبيرة وإيجابية، و»لطالما كانت نظرة دول الخليج إلى هؤلاء إيجابية، بل كان الكثير من دول العالم تحسد لبنان على مثل هذا الموقع للبنانيين المقيمين في الدول الخليجية».
ويؤكد الرئيس سلام أن هدفه «إعادة توطيد العلاقة مع العرب جميعاً والخليجيين بشكل خاص».
وأبدى سلام مطالعة رأى فيها أن المنطقة تمر بتخبط كبير وعدم استقرار، وفي كل لحظة ينتج أمر غير متوقع مثل «قرار روسيا بالانسحاب من سوريا» تماما مثلما كان غير متوقع، مشاركتها فيها أصلا. ولبنان يحاول التتبع ورؤية ما يحصل. وأعطى مثلاً أننا كنا نتتبع ما تقوم به إسرائيل «عدوتنا الأكبر» تجاه لبنان والمنطقة سابقاً، لكن اليوم المنطقة كلها تغلي. متخوفاً من
«عدونا الأصغر» وهم «أنفسنا نحن اللبنانيين».
وأكد سلام أنه «يقوم بجهد كبير لمحاولة تغيير الصورة المأخوذة -مؤخراً- تجاه لبنان من دول الخليج، فليس من المعقول للعلاقات العريقة التي تطورت وتعمّرت طوال عقود، أن تهتز وتتراجع أو تتأذى»، خصوصاً أن عدم الاستقرار في المنطقة يؤذي لبنان الذي استطاع رغم الأوضاع في المنطقة الاستقرار حتى الآن، فالأمن فيه «ممسوك» فيما الأوضاع السياسية فيه مهتزة، وأبرز عنوان لعدم الاستقرار هو الشغور الرئاسي الذي ينسحب على العمل التشريعي شبه المتوقف، وعلى عدم إنتاجية في السلطة التنفيذية أي الحكومة.
ويعزو ذلك إلى «العراك الدائم والخلاف القائم بين القوى السياسية».
وذكّر سلام أن الحرب في سوريا (15 آذار ذكرى خمس سنوات من بدء الأزمة)، أثرت على لبنان بشكل كبير، لكن للآن لبنان استطاع أن يبقى ويتحمل، لافتاً إلى وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان، تحاول الحكومة أن تؤمن مساعدات من العالم لأجلهم كما فعلت في مؤتمر لندن، مشيراً إلى أن خسائر لبنان من وجود هؤلاء 13 مليار دولار.
وتطرق سلام إلى الإرهاب، فأكد أن البلد استطاع أن يتصدى عسكرياً وأمنياً لهؤلاء الإرهابيين و»كنا أسرع من غيرنا في اكتشاف الشبكات ووضع حد لكثير من العمليات».
وعلى مستوى البيئة الحاضنة، استطاع لبنان التغلب على الإرهابيين بمساعدة مهمة من الحوار الوطني.
وتوجه إلى «إخواننا في دول الخليج» بصراحة، «نعم حصلت أخطاء من قبل لبنانيين في ظل أوضاع ضاغطة تواجهها دول الخليج وفي ظل صراع إقليمي». واللبناني لا يمكن له أن ينسى يوماً أفضال دول الخليج على لبنان.
وذكر أنه في العام 1989، كان لبنان يتجه نحو الانهيار فأنقذته السعودية عبر اتفاق الطائف، وكذلك في العام 2008، أنقذته قطر والعرب من خلال اتفاق الدوحة.
وشرح أنه حصل «عتب خليجي وزعل، وغضب نتيجة حادثة ما، وأنا شخصياً تفهمتُ ذلك»، ولذلك «طالبتُ، وأطالب اللبنانيين باستعمال الكلمة الطيبة والتواصل الإيجابي مع إخواننا الخليجيين، فليس عندنا أي حجة لجرح أو استهداف إخواننا الخليجيين»، أضف إلى ذلك أن مئات الآلاف من اللبنانيين موجودون في السعودية ودول الخليج، و»كنتُ واضحاً مع المسؤولين الخليجيين وقلت لهم لا تتأخروا في ترحيل أي لبناني في حال قام بأي أذى أو ضرر لبلدانكم، لن نغطيه ولن نحميه»، فاستقرار دول الخليج ضروري وأساسي في ظل انهيار المنطقة. ووجود اللبنانيين في الخليج مهم جداً للبنان وللخليج على السواء.
ولا يتخوف سلام من إبعاد اللبنانيين اليوم، فقد حصل أن قامت دول الخليج منذ سنتين أو ثلاث بإبعاد بعض اللبنانيين الذين يدعمون حزب الله.
وتوجه «للخليجيين وفي مقدمهم المملكة: نحن متمسكون بشكل واضح بالإجماع العربي في وجه كائناً من يكون.. نحن معه ولطالما حلمنا به».
وذكر أن إجماعاً عربياً فريداً حصل في القمة العربية في بيروت عام 2002 بحضور ولي العهد السعودي يومها (الملك فيما بعد) المغفور له عبدالله بن عبدالعزيز.
وأكد ثقته بقادة دول الخليج جميعاً و»على رأسهم الملك سلمان بن عبدالعزيز اليوم بأنهم لن يتخلوا عن لبنان».
وعن موعد سفره إلى السعودية ودول الخليج، أوضح «لم يتحدد ذلك بعد»، لكنه استقبل السفراء الخليجيين وأبدى رغبته بزيارة الخليج قريباً، «نحن بحاجة لمواعيد لأذهب إليهم لأشرح لهم ولتوضيح الصورة أكثر فيما يتعلق بتمسكنا بخيار الدولة، لأنه إذا تخلى لبنان عن هذا الخيار، ذهب لبنان».
وحين يُسأل سلام هل تستطيع الحكومة أن تؤنب حزب الله وأن تمنعه من التدخل في سوريا واليمن والعراق وغيرها، يجيب بصراحة إن «حكومتنا ائتلافية مكونة من كل القوى السياسية» بما فيها حزب الله، و»إذا أردنا الحفاظ على الحكومة يجب أن نُقارب الأمور بالمُتاح».
وأعطى مثلاً أن البيان الذي صدر عن الحكومة بعد انزعاج دول الخليج من موقف لبنان في الجامعة العربية «أخذت صياغته سبع ساعات». ورأى أن «لا أحد يريد اليوم استقالة الحكومة، نحن نحاول تقطيع الأزمة والخطر الداخلي بهدوء وصبر وبالتالي نحاول أن نرى ماذا يمكن فعله لكن ضمن خيار الدولة»، و»دعوتي لكل القوى السياسية في لبنان ألا تتنازلوا عن حصتكم في الوطن لكن لا تخضعوا الوطن لنفوذكم».
لكن هل يستطيع أخذ قرار في مواجهة حزب الله؟
يقول سلام «ليس لدي قدرة على ذلك»، وذكر أنه قال في مؤتمر صحافي قبل سنتين (وكان في زيارة للمملكة يومها) إن حزب الله يشارك في حكومته، والبيان الوزاري يقول بالنأي بالنفس عن الأحداث المجاورة، وأنه بين الموقف والتطبيق على الأرض، هناك فرق.
وأكد أنه سيسعى ولن يستسلم في محاولته إقناع حزب الله بالنأي بالنفس، ويؤكد أننا في حكومة ائتلافية وإذا أردنا بقاء الحكومة فلإيجاد مخارج وحلول للأزمات بمشاركة كل الوزراء. «يلزمنا جهد كبير، لكن لن أذهب لأمكنة معينة وحدي (في مواجهة موقف حزب الله من الخليج).
ربما ذلك يشفي غليلي لأن موقفي التاريخي معروف تجاه السعودية والخليج، لكن ذلك لن ينفع إذا «طارت» الحكومة. وماذا سيستفيد لبنان عندها»؟
و»حزب الله هو الذي يجب أن يُسأل لماذا يأخذ البلد إلى ما لا تُحمد عقباه».
يقول الرئيس سلام إن في لبنان اليوم يوجد 16 ألف خليجي رغم الأزمة «الطارئة»، ستة آلاف و700 كويتي، و3800 سعودي و2700 إماراتي، وهذا مؤشر إلى ثقة الخليجيين وعلاقتهم الطيبة بلبنان، إضافة إلى محبة اللبنانيين للخليجيين.
وعن موقف وزير الخارجية جبران باسيل من موضوع الخليج، أكد سلام أن موقف الوزير تغير، فما حصل في آخر اجتماع لوزراء الخارجية أن لبنان تحفظ فقط على فقرتين تتعلقان بعدم وصف حزب الله، وهو مكون أساسي من لبنان بالإرهاب، لكن أخذت قرارات مهمة ضمن الإجماع العربي في مواجهة إيران.
وختم بأنه لا يتأخر في الاتصال بكل الدول الخليجية لكن «لا شيء يتقدم على دور المملكة لأنها حاضنة لدول الخليج وللبنان»، ونحن نريد مساعدة الخليجيين وكل العرب لانتخاب رئيس جمهورية في أقرب وقت.