د. نوف بنت محمد بن حمد الزير ">
ليس أجمل من استحضار الإنسان مراحل حياته وتأمله في أرجائها واستجمامه في أفيائها.
واستفادته من دروسها وعبرها.
إذا كان هذا على مستوى الفرد البسيط شئ تنجذب له النفوس؛ فإنه في المجتمعات الرائدة والكيانات المتحضرة له نكهة خاصة وأثر عظيم.
يُعبّر عن التاريخ في المراجع المتخصصة - كما عرَّفه ابن خلدون في مقدمته الشهيرة - على أنَّه: «في ظاهِرِه لا يزيد على أخبارٍ عن الأيَّام والدول والسَّوابق من القرون الأولى، وفي باطنه نظرٌ وتَحقيق، وتعليلٌ للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيَّات الوقائع وأسبابِها عميق».أ.هـ
أو هو باختصار شديد: الأحداث والظواهر والأخبار التي تمر بها الأمم عبر العصور وما يترتب عليها من دراسة أسبابها ورصد آثارها واستثمارها في تطوير المستقبل ورسم معالمه..
وفي دول العالم التي تزعم أنها تستحق الهيمنة الفكرية والثقافية والحضارية منْهَجة واضحة لإدراج لغتها و تاريخها في كافة التخصصات والمجالات.
بمعنى أن كل فرد عليه أن يتعرف على تاريخه وحضارته ويتحدث لغته وهذا بلا شك طريق للاعتزاز بها والمحافظة عليها ثم الاستفادة منها وتوظيفها في صناعة المستقبل البشري.
إن الأمم إذا تبارت في الاعتزاز بتاريخها فلاشك ولا ريب أن تاريخ الإسلام عقيدة وحضارة وشعباً هو التاريخ الأول على مستوى العالم قاطبة بتوفيق الله له وحفظه لدينه ثم بما حققه للبشرية من تقدم وبناء ونماء.
حقيقة لا مماراة فيها يعرفها المسلمون و يقرّ بها المنصفون من غيرهم، وثمة من جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً!
إن قراءة التاريخ وتعلمه والوقوف على ما فيه من عبر ينبغي أن يحظى بحيّز واسع من صانعي القرار وذوي المسؤوليات الحقيقية على كافة الأصعدة
كيف لا ؟! ونحن نرى حقب التاريخ تتكرر أحداثها وتتفق أهدافها وإن تباينت في مسمياتها وفي مراحلها الزمنية.
لما تحدّث القرآن الكريم عن الحقائق التاريخية والتواصل بين الشعوب جعل الدين هو المرتكز للعلاقات البشرية:
{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}
ولذلك نرى العلاقات بين الحضارات حرباً وسلماً على الشعوب تنطلق أصلاً من العلاقة بالدين.
فثمة من يقتل ويسلب ويُجرم متوهماً ذلك باسم الدين.
وهناك من يرى قتل الأبرياء مظهراً من مظاهر التقرب إلى الله في عقائد باطلة ما أنزل الله بها من سلطان.
جاهلين أو متجاهلين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإنَّ رِيحَهَا يُوْجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامَاً». رواه البخاري
وكم تعاني شعوب كثيرة في بقاع العالم من مثل هذه الممارسات الجائرة.
والذين يُقرّون بذلك يقرأون الحقائق بواقعية ومنطلقات منطقية بعيدة عن التخمين والفلسفات والنظريات المبعثرة.
والذين يسعون إلى نفي ذلك وجحده ينكرون حقائق أثبتها التاريخ والمواقف و شهدت بها الحقائق المنصفة على كافة الأصعدة.و الواقع الراهن يؤكد ذلك ويبرهنه!!
ولذلك تزامن ظهور كثير من الفرق والمذاهب مع حروب الاحتلال على مر العصور ولك أن تتبع تاريخياً توافق الظاهرتين بل ودعمها على أنها الذراع القوي لسيطرة المحتل إلى جانب السعي للتأثير في اللغة في الكلام والمؤلفات والخطاب الإعلامي والثقافة في الأكل واللبس ومظاهر الحياة العامة.
إننا اليوم نشهد أحداثاً عجيبة لها نظائر كثيرة في أسفار التاريخ مع تشابه وشبه اتفاق في الأسباب والنتائج.
تلك الكنوز الثمينة التي تنادي روادها لينهلوا منها ويصونوها ويعتنوا بتفاصيلها ويستفيدوا من دروسها ونتائجها.
مما يجعل من الحكمة العناية بنشرها وتحليلها ولفت نظر الجيل إليها و الإفادة منها.
يحب أن يكون ذلك داخل الأسر وفي مكتبات المدارس والجامعات وبرامج التوعية المجتمعية والملتقيات الثقافية واللقاءات العلمية والصحف اليومية والأفلام الوثائقية...
وأن يجد العناية الفائقة في الأقسام العلمية والأندية الأدبية والمسابقات التفافية والبرامج الهادفة
لنستلهم ما كان منها يسهم في التطور والرقي والبناء والنماء على مستوى الأفراد والمؤسسات والمجتمعات.
ونتنبه استباقاً لأي ظاهرة أو فكرة أو سلوك يؤسس على فكرة سلبية وقاعدة توهن القوى وتخلخل المبادئ وتقضي على القيم.
والحرص على المصداقية والواقعية بما تبرأ به الذمة أمام الله تعالى ويُسهم في حماية
اللحمة المجتمعية وتحقيق قاعدة الولاء والبراء وفق الأصول الشرعية والمصالح المرعية.
فالتاريخ ليس ماضياً فقط ولكنه حدث في الماضي وأثر في الحاضر وعدة للمستقبل.
وتاريخنا نحن المسلمين مصدر عزة وقوة واستدامة كان ولا زال وسيظل بإذن الله تعالى
هذا ما يجب أن يستشعره الأجيال ويسعوا للمحافظة عليه عقيدة ومنهجاً وسلوكاً.
حفظ الله لنا ديننا وأمننا وأدام علينا فضله وتوفيقه
وجعلنا كما زكانا سبحانه في كتابه الكريم: {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.