عبد العزيز بن فهد الكلثم ">
يعتبر الزواج اللبنة الأولى من لبنات تأسيس المجتمع الإنساني, وعليه فإن جميع المجتمعات البشرية تعّول على استقراره وتماسكه لإقامة نسيج أسري على أرضية صلبة يساهم في البناء الاجتماعي ووظائفه المختلفة, ويعرف العالم الإنثروبولوجي مالونفيسكي الزواج «بأنه عقد بين رجل وامرأة بهدف تأسيس أسرة عن طريق إنجاب الأطفال والعناية بهم». ويرى ابن سينا أن الزواج هو «وسيلة لحفظ الجنس البشري ويقوم على أساس نوع من التعاون بين أعضاء الأسرة لإشباع الاحتياجات الأساسية للإنسان». ولذا فهو يعتبر أن علاقة الزوج بالزوجة والعكس صحيح علاقة ذات قدسية اجتماعية كونها من أعظم العلاقات الاجتماعية.
ولقد اهتم علم اجتماع العائلة -أحد فروع علم الاجتماع العام الحيوية- بالزواج كنواة لتأسيس وتكوين المجتمع. ويعد علم الاجتماع العائلي هو الأساس في دراسة الزواج كبناء اجتماعي ومكوناته, يقوم على أساس استخدام المنهج والنظرية العلمية لتحليل هذا البناء. ولما للزواج من أهمية بالغة في صناعة وتأسيس المجتمع, ودوره المحوري في عملية التنشئة الاجتماعية. فإنه كان من الضروري الاهتمام بالقضايا والمشكلات التي قد تسبب أي عائق يؤثر -ميكانيكيا- في هذا البناء المجتمعي وتحقيق أهدافه, أو يزعزع استقراره.. كون استقرار الحياة الزوجية والأسرية يعد استقراراً للمجتمع الإنساني ككل.
ولكن يلاحظ في واقعنا المعاصر وبالذات مع التحولات الاجتماعية والتحديات الثقافية والمتغيرات الاقتصادية السريعة التي يشهدها مجتمعنا السعودي اليوم نتيجة التحديث والمستجدات التي طرأت على سطحه الاجتماعي أدت، بالتالي إلى ظهور أنماط جديدة من السلوك الاجتماعي والعادات والتقاليد والقيم المستوردة.. ومعروف أن أي تغير يطرأ على أيديولوجية المجتمع لا بد أن ينعكس على الظواهر والمؤسسات والنظم الاجتماعية.. بما فيها النظام الأسري وعلى حياة الناس أنفسهم ونظرتهم إلى المجتمع, فقد انتشرت -مع الأسف- بعض الظواهر الفردية التي تحاول من الاستنقاص من قيمة الرابطة الزوجية حيث تقوم بمظاهر احتفالية للطلاق من قبل بعض الزوجات. وهذا لا مناص يعد امتهاناً للقيمة الأساسية وهي الزواج ومحاولةً لإسقاط هيبة الزواج كرابطة اجتماعية هي أساس للبناء الاجتماعي بالاحتفال بالطلاق بطريقة إقامة الولائم والاحتفالية والتصوير عبر برامج وتطبيقات التواصل الاجتماعي.. بصورة تنافي معايير المجتمع وقيمه الأصيلة. وقد يبرر بعض أطراف الاحتفال بالطلاق هذه الممارسات غير الأخلاقية.. إنها نهاية لصراع طويل أو حياة زوجية مليئة بالمشكلات والمنازعات والتفكك الأسري. وقد يبرر آخرون بأن الطلاق يعني حرية جديدة أو خروج من حالة الصراع السيئة. وبغض النظر عن السبب وجوهره..!! الذي يبرر به بعض الأفراد حاجتهم للاحتفال بالطلاق, فإن هذا فيه خروج على القيم الاجتماعية السليمة, وتمرداً على المعايير الاجتماعية, باعتبار أن الزواج هو القيمة الاجتماعية السليمة لتكوين الأسرة. وقد يعكس الاحتفال بالطلاق تصوراً إن الزواج كمؤسسة اجتماعية أصبحت نقمة لا أساس تكوين مجتمع. وهذا مؤشر سلبي ونذير خطر قد يهدد أحد أهم أسس البناء الاجتماعي واستقراره (الكيان الأسري). ولذا من الأهمية بمكان قيام المختصين بالقضايا الاجتماعية بدراسة هذه السلوكيات المستوردة التي تتنافى مع عادتنا وتقاليدنا وقيمنا الاجتماعية الأصيلة قبل انتشارها في المجتمع بشكل قد تصبح ظاهرة مرضية تهدد البناء المجتمعي. كما على المقبلين على الطلاق أو الذين يعانون من مشاكل اجتماعية أن يتواصلوا مع المؤسسات الاجتماعية الإرشادية والوقائية المتخصصة.. مثل لجان إصلاح ذات البين, وعرض مشكلتهم على الأخصائي الاجتماعي المختص بقضايا الزوجية في محاولة لتنجب المشاكل المترتبة على حياتهم الزوجين قبل وبعد الانفصال.. وإطلاق بالون ااحتفال بالطلاق. وأخيراً وليس آخر يبقى دور المؤسسات الاجتماعية والدينية والإعلامية والثقافية والتربوية والتعليمية في رفع مستوى (الوعي الأسري) وتنوير المجتمع وتوعيته بكل ما يخالف عادتنا وتقاليدنا وقيمنا الأصيلة, ويهدد نسيجه الاجتماعي ببعض الأمراض الاجتماعية والفكرية والثقافية.
- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية