مندل عبدالله القباع ">
الملك سلمان رجل يختلف عن غيره في فكره وعقله ووجدانه، يأسرك بلطفه وحسن تعامله، فهو محنك وذو نظرة ثاقبة حاضرة وبعيدة المدى، يقرأ ما وراء السطور، ذو ذكاء وذاكرة خارقة، فهو يعرف الوقوعات اليومية في شمال المملكة وجنوبها وشرقها وغربها لما يعرض عليه ويلم به من أحداث سياسية وأمنية وجنائية وإعلامية واقتصادية، فرغم هذه الأحداث على مختلف مستوياتها عندما يتم التطرق لها أو بحثها نجده أول من يبادرك بخفايا وملابسات هذه الأحداث صغيرها وكبيرها ويحاور من يحدثه بكل إسهاب وتفهم، فهذه هي التي يقول عنها علماء النفس العبقرية التي تتعدى الذكاء العادي والمتوسط، خلاف ما يلم به - حفظه الله - من الأحداث الخارجية خصوصاً السياسية وأولها ما يحدث في العالم العربي والإسلامي من أجل الوقوف والتعاضد مع هذه الدول في محنتها السياسية أو الاقتصادية وما يقع عليها من كوارث ومصائب الزمن، فهذا هو ديدنه - حفظه الله - منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسين سنة، فهذا أسلوبه وتعامله الإِنساني مع غيره حتى حضوره في دوامه وانصرافه منه، وقد شاهدت هذا أكثر من مرة في الحضور لمجلسه في مقام الإمارة لاستقبال المواطنين والمقيمين من أجل السلام عليه وعرض ما يحقق مطالبهم ومصالحهم قدر الإمكان، فهذه هي التربية الإسلامية الصحيحة، وهذه هي ديمقراطية الإسلام التي تشربها وتربى عليها هو وإخوانه أصحاب السمو الملكي الأمراء - غفر الله لمن مات منهم وأسكنهم فسيح جناته ورزق الحي منهم الصحة والعافية - تحت كنف صقر الجزيرة موحد هذا الكيان وباني الدولة السعودية الثالثة بداية من عام 1319هـ، فكان الملك سلمان في هذه التربية تحت كنف والده الفطن الفطين الذي لا يفوته في مجلس والده أي كبيرة أو صغيرة أو شاردة أو موقف ألا عرفه وسجله في دماغه من رجال مجلس والده من كبار القوم وعشائر القبائل الذين يعدّون كثرا، حيث لا يخلو مجلس والده سواء في البادية والصحراء أو في مدن المملكة من هؤلاء الرجال الذين يأتون للسلام عليه والتشاور معه - رحمه الله - وعرض مطالبهم واحتياجاتهم خلاف ما يجتمع به من رجال الدول الأخرى العربية والإسلامية والصديقة، فهذه الصفات في خادم الحرمين الشريفين التي ذكرناها لم تأت من فراغ إنما من الحنكة السياسية والفطنة الفطرية والذكاء الخارق، وهذا ليس بمستغرب عليه - حفظه الله - لأنه يعيش في دولة ومجتمع إسلامي، فهو - حفظه الله - يحن على الصّغير قبل الكبير، يعيش إِنسانية وحنانا، يخشع قلبه قبل لسانه، دمعته التي تسقط من عينيه سريعة لا يستطيع حجبها أو إخفاءها أو التحكم بها، وهذا ما حصل في مهرجان الجنادرية الثلاثين عندما ذكر موقف أبطالنا في الحد الجنوبي موتاً للدفاع عن هذا التراب الطاهر أرض الحرمين الشريفين، فهذا هو الإِنسان الحقيقي الإِنسان المؤمن بالقضاء والقدر، هذا هو الإِنسان الذي يحب دينه ووطنه ومجتمعه، الذي قال إنما وجدت لخدمة ديني ووطني، وآخر دليل شاهد على هذه الإِنسانية وغيرها هو انحناؤه بكل تواضع وحنان وشفقة على طفلة لم يتجاوز عمرها العاشرة في السباق الذي أقيم على كأس الملك عبد العزيز - طيَّب الله ثراه - للخيول في الجنادرية ورعاه - حفظه الله - يوم 1437/5/23هـ.