في الخامس عشر من مارس، من كل عام، تحتفل المدن العربية بيوم المدينة العربية.. ذكرى تأسيس منظمة المدن العربية في الكويت في ستينيات القرن الماضي.
احتفال مدننا العربية هذا العام، قد لا يكون بالزخم المعتاد الذي كانت عليه في السنوات الأربعين الماضية، ولذلك جاء اختيارنا لشعار الاحتفالية لهذا العام منسجماً مع القناعة من أنه «لا تنمية مستدامة.. مع استمرار النزف والهجرة واللجوء».
إن مضامين هذا الشعار، وغاياته وأهدافه.. القريبة والبعيدة.. من شأنها أن تسلط الضوء على ما نحن فيه من انكسارات وهزائم اجتماعية واقتصادية وبيئية.. دفعت الملايين من سكان المدن والأرياف العربية، في أماكن واسعة من منطقتنا إلى الهجرة القسرية، وإلى اللجوء وركوب قوارب الموت بحثاً عن الأمن وطلباً للنجاة.
ومدننا العربية شأنها شأن باقي مدن العالم.. تواجه تحديات ومشكلات تتصل باحتياجات ومستلزمات النمو المستدام.. ففي الوقت الذي ينظر العالم إلى الهجرة كمسألة تهم المناطق الحضرية، في عصر يسوده حراك بشري على نطاق غير مسبوق، حيث ينتقل الناس إلى الدن وإلى المناطق الحضرية.. جالبين معهم التنوع والحاجة إلى اتباع سياسات جديدة في الحوكمة الحضرية.. في هذا الوقت نجد أعداداً هائلة من سكان مدن وأرياف عربية، وقد تحولوا إلى لاجئين ومهاجرين بفعل أزمات وصراعات نتمنى أن نشهد نهاياتها في وقت غير بعيد.
إن زيادة الهجرة على نطاق واسع نحو المراكز الحضرية على مستوى العالم، يقابله مع الأسف، هجرة قسرية غير مسبوقة، خارج المدن والمراكز الحضرية العربية، في المناطق التي لا تزال تعاني من الصراعات والتطورات الساخنة التي دفعت بالملايين من الأفراد والأسر والجماعات، إلى ترك بيوتهم وحقولهم وأعمالهم إلى أماكن أخرى بعيدة كل البعد عن مواطنهم الأصلية.
إنّ مشكلة اللاجئين باتت أكثر إلحاحاً وتعقيداً مع استعار الحروب، وتعدد المشاركين فيها والمنتفعين من إدامتها. ولقد شكل اللاجئون السوريون أكبر مجموعة من اللاجئين في العالم منتصف العام 2014, وذلك استناداً إلى تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة للعام 2015 «الإسكوا».
هذه الظاهرة، ظاهرة الهجرة القسرية، إنما تنطوي على تحديات وفرص على حد سواء، والصورة الراهنة للمهاجرين واللاجئين في منطقتنا العربية لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في أفريقيا وأوروبا، الأمر الذي يستوجب التدخل والمعالجة الدائمة. فمن حق الناس أن يختاروا أماكن العيش والعمل والبحث عن الفرص الأفضل.. ولكن عندما تنشأ المخاطر والأزمات، يصبح من الطبيعي أن يغادر الناس مواطنهم الأصلية، وبالتالي، يختفي التنوع الحضري الناشئ عن الهجرة القسرية ويتحول المشهد إلى ما يشبه الكارثة، مما يؤدي إلى اتباع سياسات صارمة لضبط الحدود وإنشاء مراكز مرور عابرة.
إن أحداث وتبعات ما كان يسمى بالربيع العربي، تركت علامات استفهام كبيرة، حول ما إذا كانت مدننا العربية، وخاصة مدن مناطق الربيع العربي، ستكون قادرة على اللحاق بركب التنمية المستدامة.
من هنا نحن نستشعر أحداث وتبعات ما تواجهه مدننا العربية وسوف تعمل منظمة المدن العربية ومؤسساتها، وبالتعاون مع الحكومات الوطنية والسلطات المحلية، ومع الشركاء الإقليميين والدوليين.. من أجل دعم احتياجات المدن العربية المتضررة، والمساعدة في إعادة المدينة العربية، إلى المشهد العالمي: هوية وتراثاً وتحضراً.
وكل عام وأنتم بخير،،،،
م. أحمد حمد الصبيح - الأمين العام للمعهد العربي لإنماء المدن