من مرابع امرئ القيس إلى منازل حاتم الطائي ">
عبدالله السمطي:
من دارة جُلجل إلى جبل خزازى
عود على بدء:
من شدة إعجابي بدارة جُلْجل راجعت الكتابة عنها مرة ثانية بتفصيل أكثر، فالمكان يصلح للسياحة البرية بامتياز، واختيار امرىْ القيس له لم يكن اختياراً عبثياً، وكان له فيه يوم من أيام مغامراته وقد ذكره في معلقته بالقول:
ألا ربّ يوم لك منهنّ صالح
ولا سيما يوم بدارة جُلجلِ
المكان لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق «الشعيب» بجوار المرتفعات وعبور الوديان من الشرق إلى الغرب، كي يتم الوصول إليه من «أم سبيعة» بوادي الدواسر لمسافة 18.5 كيلو متر تمر بطرق وعرة مليئة بالصخور ومن اليمين والشمال جبال وتلال وهضاب صخرية، ووديان مزروعة بشجر «السمر» الشائك.
دارة جلجل عبارة عن واد متسع مستدير تقريباً تحيط به الجبال والهضاب من كل جانب سوى امتداد الطريق المفتوح على وديان أخرى.
حين ندخل إلى دارة جلجل من جهة الشرق - وهي دارة بديعة المنظر تصلح لمتحف صحراوي مفتوح ورائع، ليته ينفذ في المستقبل - نجدها عبارة عن وادٍ رحبٍ واسعٍ على اليمين منه تلال وجبال صغيرة على ارتفاعات ما بين 200 -600 متر وفي الأمام من الشمال ارتفاعات ما بين 300-440 متر تقريباً يتوسط الوادي تلان صغيران أحدهما في مدخل الوادي والآخر في نهايته.
وعلى مقربة من التل الداخلي مكان منخفض قليلاً يبدو أنه المكان الذي تتجمع فيه الأمطار والسيول فتشكل غديراً هو الذي كانت تستحم فيه البنات اللاتي كان يراقبهن امرؤ القيس ومعهن فاطمة ابنة عمه، وقد نزلن للغدير للسباحة وقام هو بالتحفظ على ثيابهن ثم اشترط على كل واحدة منهن أن تخرج عارية لتتسلم ملابسها.
في دارة جلجل الأرض رملية ترابية ناعمة، ويمتلئ المكان بكثافة بأشجار السمر وبها أشجار خضراء وأخرى جافة، مساحة المكان تقريباً 20 فداناً، والجبال والتلال صخرية. والوادي نفسه منبسط وممهد بشكل طبيعي والجبال والمرتفعات تحميه من كل جهاته.
خزازى يوم عربي:
في يوم الجمعة 19 أبريل 2013 م الساعة 4.42 م وصلنا إلى جبل خزاز، أو «خزازى» كما ورد في شعر امرئ القيس والحارث بن حلزة بالقرب من الرس بمنطقة القصيم، يبلغ ارتفاع الجبل أكثر من 800 متر، وهو من الجبال الشهيرة بالمنطقة، حيث وقعت أمامه معركة مهمة تعد من أيام العرب.
وقد ذكر عمرو بن كلثوم هذا الجبل في معلقته التي يعبر فيها عن انتصار القبائل العربية على قبيلة حمير اليمنية التي كانت تفرض إتاوات على القبائل العربية وسط جزيرة العرب.
الجبل متدرج وعلى هيئة صخور كبيرة متراصة، متراكبة.
هنا عند خزازى أعاد العرب استلهام انتصاراتهم، وشهد الجبل يوماً من أيام العرب المجيدة، وقد ذكره عمرو بن كلثوم في معلقته:
ونحن غداة أُوقدَ في خزازى
رفدْنا فوق رِفْد الرافدينا
وذكره أيضاً الحارث بن حلزة في قوله:
وبعينيكَ أوقدتْ هندٌ النارَ
- أخيرا تلوى بها العلياءُ
فتنوّرتُ نارها من بعيد
بخزازى .. هيهات منكَ الصلاءُ
في الساعة السادسة تقريباً غلبني النعاس، ربما من إرهاق الرحلة وأيامها الطويلة، فاليوم الصحراوي ربما يساوي عشرة أيام في المدينة، سريعة الإيقاع، وسريعة الركض، حين استندت إلى مخدة في فراشي في الكرافان، كنت أريد مشاهدة المنظر الذي أراد الدكتور عيد اليحيى تمثيله، ويتمثل في إشعال نار أعلى الجبل كما ورد في القصة المشهورة التي تروي معركة خزازى.
غلبني النوم من شدة الإرهاق، أو ربما من استيقاظي اليومي مبكراً بين الثالثة والنصف أو الخامسة والنصف صباحاً، استغرقت في النوم حتى الساعة العاشرة والنصف مساء، وحين استيقظت كان كل شيء يتعلق بالجبل قد انتهى، فقد فرغ الزملاء من إشعال النار في قمة الجبل حيث صعد الزميل عبدالعزيز الصقعبي حاملاً معه كمية من نبات «الرمث» النابت في الوادي الذي يشرف عليه الجبل، وأخذ معه «قداحة/ ولاعة» وأخذ كشافاً وحمل معه الموبايل وصعد أعلى الجبل وأشعل النار، حين اتصل به من أسفل الجبل د. عيد اليحيى وكان ذلك كما حكى لي في السابعة مساء، وقام المصور طارق المطلق بتصوير المنظر.
حين استيقظت بدأ الزملاء في الصعود إلى أماكن نومهم، وجلست قليلاً مع المصور طارق وهو ينقل الصور من كاميراته إلى اللاب توب، وشاهدت صورة الجبل وقد أوقدت النار على قمته.
والجبل كما يذكر د. الراشد في كتابه يبلغ ارتفاعه (1095) متراً مع إنني أراه وأنا جالس أمامه أكتب هذه السطور لا يزيد ربما عن 500 متر أو ربما 800 متر كما يذكر د. عيد اليحيى. على أية حال ربما للمرتفعات مقاييس أخرى.
نستعد الآن لتناول طعام الإفطار، وسنتحرك جميعاً إلى مكان آخر من الأمكنة التي ذكرها الشعراء القدامى في معلقاتهم.
** السبت 20 أبريل 2013 الساعة 7.30 صباحاً.