عبد الله بن عبد المحسن الماضي
انتقل إلى رحمة الله زميل الدراسة وصديق الطفولة والصبا الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الزامل الدريس يوم الثلاثاء 21-05-1437هـ عن عمر ناهز الثمانين عاماً.. تاركاً وراءه بصمات من المساهمات الخيريَّة وعمارة المساجد وصلة الرحم، ولزملائه ذكريات الشباب (رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته).. لقد كانت لنا ذكريات الصغر في هجرة الأرطاوية في الستينيات الهجرية وما يعتري تلك المرحلة من غياب الوعي الصحي والثقافي وخشونة الملبس والمأوى، وشدة التعامل، وقسوة الحياة.
يجمعنا شباب ذلك الجيل (الستينيات الهجرية): مدرسة الكُتاب أمام دكان مطوع الكُتَّاب الشيخ: عبد المحسن الدخيل، مُكوِّنين نصف دائرة على أرض ترابية حفاة الأقدام، والأدوات المدرسية عبارة عن لوح من الخشب، ومحبرة من (سناء الصاج) وقلم من أعواد خشب الأثل، وثلاث من العصي ومضرب للكف للتأديب، ومع هذا شقاوة الصبا لا تقف عند حد، ولأن موعد الانصراف لم يكن يعتمد على الساعة التي كان يندر اقتناؤها.. بل على ظِلّ (المثعب) مرزام تصريف ماء السطح، وللرغبة في تقديم موعد الانصراف.. يضع أحدنا خشبة في مجرى المرزام لإطالة الظل ليسمح المطوع لنا بالانصراف قبل الموعد المحدد، وبالنسبة لفترة ما بعد الظهر يقوم أحدنا أحياناً بالأذان عصراً خلف الدكاكين قبل موعد الأذان، الذي هو جرس الانصراف، وقد انكشف أمرنا فنلنا على ذلك عقاباً.
هذا، وأذكر أن الأخ عبد الله (رحمه الله) تعارك مع زميله: عبد الرحمن السياري.. مما دفعه للشكوى على والد عبد الرحمن الذي عاقبه عقاباً قاسياً، واسترضى عبد الله بشيء من القريض والملبس (المكسرات)، وفيما يبدو فإن الأخ عبد الله طمع بالمزيد من هذه المكسرات.. فتقدم بعد أيام بشكوى زميله عبد الرحمن إلى والده وحصل على المطلوب من المكسرات.. ثم وجدها عبد الله فرصة أن يكسب مرة في الأسبوع بعض المكسرات بالادعاء عليه بهتاناً.. وما علم أنه يتبع ذلك عقاب قاسٍ للأخ عبد الرحمن.
بعد مرور أكثر من عشرين سنة جمعتهما الظروف في مدينة حفر الباطن حيث أقاموا وعملوا في التجارة وكان بينهما تواصل، وأخذ عبد الرحمن يُذكِّر زميله بتلك الشكوى المتكررة التي نال على إثرها العقاب لأكثر من مرة وما أصابه من أذى وامتعاض لا زال يحمله في نفسه.. فما كان من عبد الله إلا محاولة استرضائه لمسامحته.. إلا أن عبد الرحمن رفض.. مما دفع عبد الله للاستعانة بالشيخ علي السحيباني رئيس المحكمة آنذاك الذي طلب عبد الرحمن وحاول معه أن يسامح عبد الله.. إلا أن عبد الرحمن أصر على موقفه، وقال: إن أكثر ما يخشاه أن يتوفى عبد الله قبله فيضعف ويجعله يتسامح عن حقه! وقد أخذت هذه القضية مساراً للمداعبة والحديث عنها، والمعروف أن عبد الرحمن (رحمه الله) طيب ولا يحمل في نفسه أي ضغينة.. إنما أراد أن يأخذ من هذه القضية وسيلة للمناكفة.. غفر الله لهما جميعاً.. إنه جواد كريم.