عبدالمجيد محمد المطيري ">
على الأطلال يتكئ المجهول وعيناه على مضيق البسفور..
ومن نافذته حيث الجسر والقاطرة والناس وتلك الدمعة القاتلة..
وفنجان قهوته وأوراقه ورسائله..
وأعواد الكبريت وبقايا سجائره.
ورغم ما يعتريه من حرقه وألم ما زال يكتب أنه «بخير وسعيد جداً».
ورغم تلك الوشاحات الضبابية وتلك الأماني السوداء ورغم كل ما يعتصر قلبه الصغير من خيبات وانكسارات ما زال يلتزم الوقوف وإن كسرت قدماه وأصبح يتكئ على العصا فلربما هذه أمنيته كي يذوّق حلاوة الذكرى وتنهيدة المساء لقلبه المفجوع بما يدعيه الزمن أنه الحب.
على أبعاد تلك الصورة، يلتزم الصمت والسكون يلف الجسد ويثور القلب والأوردة وكأنما اشتاط غضباً وما هي إلا فزعة طفل تعلّق قلبه بشيء.. فقده!
فبكى .. وبكى.. وبكى!
وتساقطت قطرات الندى من على وجنتيه واستلطفت عيناه ورد خديه.
فأنهار..
ورغم كل هذا يكتب مرة أخرى:
(أعلم جيداً أنني على ما يرام، رغم كل تلك الآلام.. ما زلت بخير).
يشعل سجارته وهي بين شفتيه المحترقتين..
وبيدين مرتعشتين.. يحتسي القهوة!
وفي وهنة الانكسار..
تطاير الورق..
سقطت عصاه.. فوقع!
وغاب المساء.
- جدة