سعد بن سليمان الفريخ ">
المتحدث البارع هو المستمع البارع، والإنصات بداية الحوار الإيجابي، لكن معظمنا يحاول التأثير على من يخالفه في رأي أو فعل برفع الصوت أو السخرية أو التصنيف أو فرض رأي بالقوة أو غير ذلك، وهذا الجدل حوار لا يُراد منه الوصول إلى الحق كما في قوله تعالى (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ)، والغرض منه الانتصار للنفس والعلو على غيره وإفحامه واستعراض القوة والقدرة على الغلبة والتعاظم على الآخرين، وأنه وحده المدرك البصير الذي يُسمع قوله ويُعتمد رأيه، وذلك لأن طبيعة النفس البشرية لا تحب الهزيمة.
فالحوار يختلف عن الجدال، الحوار مراجعة الكلام وتبادله بين المتحاورين وصولاً إلى غاية يجري بين صاحبين أو اثنين ليس بينهما صراع، ويغلب عليه الهدوء والاحترام المتبادل والإنصاف والعدل، ويكون بضوابط منها إرادة الوصول إلى الحق، وتحديد الهدف، والقضية التي يدور حولها الحوار، والاتفاق على أصل يُرجع إليه، وعدم مناقشة الفرع قبل الاتفاق على الأصل.
أما الجدال فيُقصد به الخصومة وشدة في الكلام وغلبة صوت مع التمسك بالرأي والتعصب له، فأكثر وروده في القرآن الكريم بالمعنى المذموم كما في قوله تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ}، وهذا الجدل حوار لا طائل من ورائه، وجاء الجدل مقبولاً في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فالجدال بالتي هي أحسن مرادف للحوار الإيجابي البناء.
فنحن لا نفرق بين الفكرة وصاحب الفكرة والرسالة وحامل الرسالة، فالاختلاف لا يعني المعادة والكراهية والحقد، فالناس يختلفون في شئون دينهم ودنياهم، وهذا أمر قديم وسيبقى الاختلاف بينهم إلى أن يرث الله الأرض من عليها، قال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، وقد لا يستوعب البعض بأن الاختلاف أمر طبيعي بسبب عدم فهم الموضوع من كل جوانبه، أو التقليد العقيم، أو التعصب، أو حب الشهرة والتفاخر، أو إثبات الوجود عن طريق الكلام، أو اختلاف العقول والفهم أو غير ذلك.
وسواءً كان حواراً أو ناقشاً أو جدالاً علينا التجرد في طلب الحق بحثاً عن الحقيقة، قال تعالى {َإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}، قبول ما لدى الطرف الآخر من حقائق وإيجابيات والاعتراف بها والاستفادة منها، يقول أبو حامد الغزالي (أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة، لا يفرِّق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهره له).