ابتهال بنت عبدالعزيز العيسى
يقع بين يدي أطفال جنة صغيرة مليئة بقدر هائل من الأسئلة إن أقمعتهم أصبحوا انطوائيين سلبيين في الحياة، وإن أجبتهم بما يناسب عقولهم يصبح بين يدي جيل جديد مثقف وإيجابي، كثير ما يصادفني فئة لديهم فضول يحرك أذهانهم: (معلمة.. من أول شخص في العالم، معلمة.. كيف بدأنا في النطق؟ ومن هو أول شخص تحدث في العالم؟ وهل كان ينطق مثلنا؟ لماذا خلقنا الله؟ من أول من ارتدى اللباس؟ وكيف كان شكله؟ لم ندرس عن اشخاص فارقوا الحياة؟ ما معنى كلمة ظلم؟).
تعمقت كثيرا وقرأت اكثر لأجيب عن أي سؤال يصادفني وأكسر حاجز تطفلاتهم الصغيرة فأدنوا إلى مستواهم وأجيب بقدر حاجتهم، ففي النهاية قدمت جزءا بسيطا كمعلمة بيدها رسالة عليها أن توصلها للجميع.
ثمرتي الأولى في بحثي: من وضع اللغة؟ هل من الله أم من البشر؟ وما هي أول لغة نطق بها سيدنا آدم؟ هل كانت لغة منطوقة أم كتابية؟
هناك نظرية تسمى بنظرية «البو-وو» تقول (إن اللغة نشأت من الصرخات غير المبينة للحيوانات)، وأكد ذلك مايكل في كتابه «نشأة اللغة» بقوله إن البشر منحدرون إلى فئة الطيور مثبتاً بذلك أن الطيور تسعى على ساقين كالبشر، والببغاء مثلا يفضل التقاط الأشياء بقدم واحدة, ولا نغفل عن الإيحاءات والأصوات التي تصدرها الطيور، أصبح يقلدها الانسان عندما وجد على الأرض كالبكاء والصراخ لرغبة الأشياء إلى أن خرجت لغة تفرد بها البشر بعيدا عن الطيور.
أيضا الله سبحانه و تعالى يقول في كتابه (وعلمنا آدم الأسماء كلها) أي عندما قرر الله خلق آدم عليه السلام، خلقه من طين لازب وقيل من قبضة يده ونفخ فيه من روحه، أوحى الله إليه جميع الأسماء، قال ابن عباس: هذه هي الأسماء التي يتعارف بها الناس (انسان، دابة، أرض، سهل، بحر، جبل،....) بمعنى أن هناك لغة علمها الله لآدم وعلمه كل شيء يحيطه عكس نظرية «البو-وو» حتى وصل آدم إلى مبلغ من العلم يفوق الملائكة، وهذا ليس تنقيصا من شأن الملائكة، بل كان من باب اطمئنان للملائكة أن الله خلق خلقا جديدا غير الجن الذين عاثوا في الأرض فساداً وسفكوا الدماء، فنفاهم الله إلى جزائر البحور في الأرض. (ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم).
هناك قول إن اللغة كانت من الله ومن البشر أيضاً حيث «علم الله الأسماء كلها» أي أنه علمه الأسماء التي يحتاجها في زمنه، فكون قال الله قول « كلها « على طريق التأكيد أو يكون قوله «كلها « في ذلك الوقت، وأن باقي المصطلحات خرجت مع الزمن من خلال التواصل الحضاري، وهذا هو الأقرب و لا معارضة مع الآية.
أيضاً مما يؤكد وجود لغة أن كان هناك حوارات بين آدم والملائكة وبين آدم وحواء في الجنة ذُكرت في كتاب البداية والنهاية لابن كثير «أُخرج ابليس من الجنة، وأسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحشي ليس فيها زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة، خلقها الله من ضلعه، فسألها من أنت؟ قالت: امرأة. قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إلي. فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء. قالوا: ولم كانت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي.
عندما أُهبط بآدم إلى الأرض في الهند في أعلى قمة على سطح الأرض (إيفرست)، وقيل: أهبط آدم في دحنا بين مكة والطائف، وزوجته حواء في جدة وإبليس بدستميسان من البصرة، طلب آدم من الله أن يجتمع بحواء فازدلفت إليه حواء، فلذلك سميت بالمزدلفة، وتعارفا بعرفات، فلذلك سميت عرفات.
بكى آدم على الجنة سبعين عاماً وعلى خطيئته سبعين عاماً وعلى ولده حين قُتل (هابيل) أربعين عاماً {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
لنا أن نتساءل هنا: ما هي اللغة التي تحدث بها آدم مع حواء؟
اختلفت الأقوال حول نطق آدم ولغته الأولى وتحيزت كل أمة بلغتها تفاخر بها أنها أول لغة نطق بها آدم عليه السلام.
زعم اليهود أن اللغة العبرية هي أقدم اللغات مستندين بذلك في كتابهم التوراة أن الله قد علمها آدم، ثم أن الناس خاصة في بابل حين حاولوا ان يتخذوا لأنفسهم مدينة عظيمة وبرجاً شامخاً يطول عنان السماء، غضب عليهم الرب فبلبل ألسنتهم وجعلهم فرقا وشيعا لا يفهم بعضهم بعضا، ولذا سميت بابل من تبلبل الألسنة.
وقال الآراميون إن لغتهم هي أشرف اللغات، وإنها كانت لغة المسيح وأمه العذراء، وإنها لغة الأسفار المقدسة فقد كتب بها سفراً دانيال وطوبيا وسفر يهوديت، وسفر عزرا، وسفر استير. (سفر أي كتاب مقدس).
واعتقد البعض أن اللغة العربية هي أساس اللغات وأقدمها، وأنها هي اللغة التي تحدث بها الله لآدم.
بعيداً عن كل الاعتقادات، لو رجعنا إلى أقدم حضارة على وجه الأرض فهي كانت في العراق ببلاد الرافدين تسمى الحضارة السومرية سنة 3500 قبل الميلاد، نسبهم يرجع إلى سام بن نوح كانت لغتهم هي اللغة السامية، يتحدث بها الآن حوالي 467 مليوناً في بلاد الشام والشرق الأوسط بمختلف اللهجات، كانت هي أقدم حضارة أتت قبل عهد موسى العبرية وعيسى الآرامية، ومع تطور تلك اللغة المنطوقة تفرعت منها عدة لهجات «العربية، العبرية، الأمهرية، التيرينيغة».
وفي ذلك العهد خرجت الكتابة المسمارية وكانت أول كتابة رسومية للتواصل بين البشر، كانت عبارة عن ألواح من طين ينحتون عليها رسومات بقلم أشبه بالمسمار، ويتركونها إلى أن تجف.
ولم تخرج الحروف الأبجدية إلا في عهد الفينيقيين وهم قبائل كنعانية سكنت فلسطين وبنت بيت المقدس وسمته «أورسالم» أي مدينة السلام، فبعد حوالي 3000 سنة قاموا بتقسيم الكلمة والرسومات إلى نبرات صوتية ومخارج حلقية.
وقال كثير من علماء التفسير والأحكام إن أول من تكلم هو النبي إدريس، ويسمونه هرمس الهرامسة، فقد قالت طائفة من الناس إنه هو المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل الرسول عن الخط بالرمل فقال (إنه كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك) وربما المقصود بذلك الخط الكتابة، وأن العهد ما قبل النبي إدريس كان لغة منطوقة غير كتابية، وأن أول من بدأ في الكتابة هو النبي «إدريس» فربما أنها كتابات مرسومة فلم يذكر نوع الكتابة.
وفي النهاية أرى أن الأقرب للصواب هي القول إن اللغة السامية هي اللغة التي نطق بها آدم عليه السلام لما ذكرته. والله أعلم.