الرقمية ونظريات النقد ">
في دراسته المهمة (لعنة الافتراض- الرقمية بين إشكاليتي الورقية وهدم النظريات النقدية) ذكر الباحث اليمني هاني الصلوي تحت عنوان (التفاعلية وهدم النظريات النقدية): (تبدو المعضلة واضحة جلية من خلال بعدين أحدهما ظهور مقولات بعض النظريات التي كانت إلى وقت قريب حديثة أمام الفكر المعلوماتي مغطاة بهالة كبيرة من النسيان، والآخر أن مقولات الرقمية؛ يمكن وسم مبادئها بالمقولات تجاوزًا) تبرز وكأنها تطبيق كاريكاتوري لبعض أفكار النظريات التي بدت عميقة لعقود طويلة .فما الذي يمكن أن نقوله عن «تشظي الدلالة» مثلًا أمام نص رقمي بمئات الروابط التي يحيل كل رابط فيها إلى مئات الروابط (قد تبدو لإنهائية الدلالة مقبولة إلى حد ما هنا).
إذن (ما الذي بقي من البنيوية ؟! سؤال يحيلنا - جدلًا - إلى فكرة النهاية وهو ما ترفضه الرقمية بوصفها قائمة على «متماوجة» اللانهائي، إلى جانب أنه «لا وجود لخريطة موثوقة لأرض لم تكتشف بعد» رغم أن عدم وجود هذه الخارطة يشكل أهم مبادئ الفكر الرقمـي . عنت البنيوية كما هو معلوم «بالبنى وبتحديد أدق بتفحص القوانين العامة التي تعمل من خلالها» (بينما يرفض الفكر الرقمي -نصـًا وتنظيرا نقديًا - فكرة البنية تمامًا ولايدخلها في حساباتها حيث أن الرقمي لاينظر للنص على أنه لغة محضة كما هو في البنيوية فاللغة جزء بسيط جدًا -لنقل الكلمة- من النص إلى جانب الحركة والصورة والصوت وغيرها من المكونات وربما كان من الظلم المقارنة هنا بين البنيوية والرقمية. إذ تركز البنيوية النظر على الأنساق الداخلية للنص، كما أنها تقوم على فكرة الثنائيات وهو ما يغيب في فضاءات النص المرقمن ولاتأبه له الرؤى الرقمية حيث لا علاقة للدال بالمدلول، وليس ثمة مايمكن الحديث عنه من تعامد للأفقي والرأسي أوالسنكروني والديكروني، لأن فكرة النظام البنيوية نفسها ساقطة معلوماتيًا، ما يمكن التأكيد عليه هو أن فكرة النظام أدخل في البنية التقنية (قبل وجود الشبكة العنكبوتية) منها في العصر المعلوماتي، دون أن يعني ذلك انتهائها على المستوى التقني كون الفاعل المعلوماتي (جهاز الحاسوب) إذا تم فصله عن الإنترنت يصبح غير فاعل شبكيًا ومن ثم ذا بنية بنيوية تقوم عليها دائرة الآلية، يعني هذا ضمن ما يعنيه أن أرضية الآلة قبل الشبكية هي أرضية بنيوية، لذا يمكن القول إن البعد البنيوي يدخل في العصر الرقمي ضمن مايمكن تسميته بالبنية التحتية للرقمية (بنية الآلة،على شاكلة البنية التحتية للمجتمع).
و(على ذلك، فإن الهدم المتوالي للأفكار الفلسفية والنقدية الذي تمارسه الرقمية كفكر ونظرية بعد ما بعد حداثية يعد الإشكالية الأهم التي تحرك النظرة المعلوماتية للفكر والإبداع والفلسفة إلى جانب إصرار التكنولوجيا على امتصاص الماضوية الورقية وتعميد نقائصها).
وتبعا لماسبق فالقدرة على إعادة إنتاج المحتوى آلياً أحدثت ثورة في تقنيات إعادة إنتاج المحتوى، ما مهّد لظهور تفكير جديد في ما تحتويه النصوص، بمعنى ظهور تفكير جديد في العلوم والتقنيات التي تستخدم الحاسوب، وكذلك بروز نظرة جديدة إلى الإنسان نفسه وعلاقته بنفسه والآخر والكون. هنا يأتي تذكر الفيلسوف الألماني والتر بنجامين، الذي أمعن التفكير في التطوّر الذي تحدثه التقنيات في التفكير، خصوصاً التقنيات التي تتولى إعادة إنتاج المحتوى آلياً.الأمر الذي مازال يشغل ببحثه ودراسته للتوصل إلى مدى تلك العلاقة التي تربط بين الفلسفة والتقنية.
- هدى الدغفق