تداعيات الغيمة السابعة (2-2) ">
(16)
السؤال.. هذا الكائن الفضوليّ الفاتن.. هل يستنكف عن صداقته سوى مُدمن مُكابرة؟.. كمكابرة الصفي الحلّي حين يقول:
ولقد أسيرُ على الضلال ولم أقلْ
أين الطريقُ؟ وإنْ كرِهتُ ضلالي
وأعافُ تسآلَ الدليلِ ترفّعا
عن أن يفُوه فمي بلفظِ سؤالِ !
(17)
وعن السؤال أيضاً يقول أبو إسحاق الشيرازي:
ولو أني جُعِلتُ أميرَ جيشٍ.. لما قاتلتُ إلاّ بالسؤالِ.. فإنّ الناس ينهزمون عنه.. وقد ثبتوا لأطراف العوالي.. والسؤال الذي «نُقاتل» به صاحب هذين البيتين هو: هل السؤال طلْقة تُوجَّه للآخرين أم هو مغامرة لاكتشاف الذات والارتحال الدائم في مدائنها ؟..
(18)
لو كان السؤال رجلاً يمشي على الأرض.. فهل كان سيعدو أحد هذين الرجلين: سقراط، وأبي حيان التوحيدي؟..
(19)
لن أغادر.. صدِّقني يا سيدي السؤال.. لن أغادر، وسأظلّ أطرق بابك.. حتى لو كلّ متن الأجوبة ونفد صبرك الطويل عليّ.. إن كنتَ نسيتَني في زحمة الوجوه المتشابهة.. فدعني أُنعش ذاكرتك: أتذكر صديقك القديم وعاشقك الأول: سُقراط، أنا يا سيدي تلميذ صغير من تلامذة ذلك المتسائل الكبير !
(20)
بعد اجتماعات «ماراثونية» مُضنية مع السيد: السؤال رئيس وفد: الشك.. توصلنا إلى اتفاق تسوية بصيغة توافقية: لا غالب، ولا مغلوب: أعطيتُه عقلي.. وترك لي قلبي !
(21)
كثيراً ما أتساءل: كم ندين في أفكارنا لمن نختلف معهم؟.. أليسوا هم من حرّك الأرجوحة في عقولنا؟.. أليسوا هم من شدّ الحبل الذي نسيناه بين أكفّنا؟..
(22)
كيف كنا سنفكر ونتخذ مواقف.. ونعبِّر بزهو عن اختياراتنا.. ونشعر بالرضا الحالم عن أنفسنا.. ونمارس رياضة الاصطفاف وهواية رسم الخطوط.. لولا وجود الأضداد ؟!
(23)
ما الذي يحدث للأحلام حين نستيقظ؟.. هل تتبخّر؟.. تواصل رحلة التخيّل ؟.. تتسكّع بين أرصفة النوم؟.. تُحيّي الهاجعين «الساهرين».. وتترصّد القادم الجديد إلى مدائن الوسن !
(24)
لماذا تبدو أحلام الليل أكثر تماسكاً وإقناعاً من أحلام النهار ؟.. ألأنّ الروائيّ فيها متدثِّر بالظلام الحالك.. حيث ينسج في هدوء ماكر حبكته الفاتنة ؟..
(25)
كيف أختصر –في كلمات- تلك الرحلة الطويلة: بكل عذوبتها، وعذاباتها ؟.. هل يستطيع بساط الريح أن يقبض الريح؟.. أن يصِف انتشاءه السرمدي وهو يعبُر حدود المستحيل؛ متحرِّراً لأول مرة من قيود المكان إلى رحابة الزمان ؟..
(26)
شيئاً فشيئاً.. ومع تعاقب السنوات صار العزف على أوتار القلب أعمق -وإنْ كان أقلَّ حِدّة- لم يعد السؤال: أين ؟.. أصبح السؤال: متى ؟..
(27)
ما العلاقة بين المطر والسهر ؟.. أثمةَ نزف في الضفتين ؟..
(28)
هل استطعتَ -أخيراً- أن تتبين ملامح الطفل المرتعِد في وجه خصمك ؟.. هنيئاً لك، لقد اكتشفتَ للتوّ مرآتك الخفية !
(29)
وسط كل هذا الضجيج الموسمي.. لا أرثي إلا لحال كلمات التهنئة التي أنهكها التكرار كلما تحركتْ بيادق الرقعة.. كيف لا تشتكي للطبيب من شعورها الحادّ بالفصام ؟..
(30)
-هل ثمة رابط بين الشعار والشجار؟.. -لا.. أرجوك يا عزيزي لا تكن متشكّكاً.. إنهما لا يتشابهان أبداً.. حسناً.. ربما في «الإيقاع» الصوتي فحسب !..
(31)
في مصارعة الثيران قد تلتمس عذراً للفارس فهو بين خيارين: خسارة مهلِكة أو نصر مؤزّر لكنْ.. ما شأن الجماهير الهادرة كي تهتف وتصفق لطقوس النزيف ؟!
(32)
هل أنت متأكد من أن القِطّة عبرت الشارع ؟ لعلك تتأمل وجهة نظر الطريق.. فقد يكون لعنفوان امتداده رأيٌ آخر.. ألا يمكن أن يكون الشارع هو الذي عبر تحت أرجل القِطّة؟..
(33)
كلما أردتُ الاتكاء على الطاولة.. تحركتْ واضطربتْ قوائمها.. كيف أُقنع يدي بجدوى الكتابة على الهواء؟.. كيف أُوهم عيني بأن الطاولة لم تعد موجودة؟..
(34)
كلما رأى أمه تذكّر طفولته.. وكلما رأى أباه استشعر رجولته.. ما الذي في عينيها لتهطل كل هذه العذوبة ؟.. ما الذي في عينيه لترفرف كل هذه الأجنحة ؟
(35)
الجواد الذي سرى.. دون سرج ولارسَنْ.. ينفُض الوهن والكرى.. عن عيونٍ بلا وطنْ.. حائرَ الخطْو في الذُّرا.. والردى يمضغ الزمنْ.. مفرِقَ الدرب يا تُرى.. أيَّ دربيه يأتمِنْ ؟
- د. سامي العجلان