يمتاز برنامج (خمبلة) -الذي يعرض على اليوتيوب- بأنه جمع بين الفن السينمائي الإبداعي من ناحية التصوير والإخراج والتمثيل؛ إذ إنه يعتمد على التصوير الخلفي عن قرب، وكذلك امتاز بعمق أفكاره التي يعالجها في حلقاته التي تعرض تباعًا في حسابهم (اليوتيوب)؛ كما أنهم اعتمدوا على الرمز في مناقشة الكثير من القضايا الاجتماعية؛ وقد بلغ الرمز مع عروضهم السينمائية حدًا بعيدًا جدًا في التأويل كما في حلقاتهم (ثقب في جيبي- تبلدي- أصل الكلمة). ومع استحضارهم للجانب الكوميدي الذي طغى بشكل لافت على الفن السينمائي الذاتي (اليوتيوب) في السعودية -مثل الكثير من البرامج المشهورة (التمساح، لا يكثر، مسامير، قروشة) وغيرها-، إلا أنهم امتازوا عن غيرهم بالرمز الذي يفتح مجالاً رحبًا للتأويل، وأعني هنا تأويل الصورة باعتبار الصورة نصًا يحمل مدلولات متعددة تخضع للمؤِول، بل إن الجانب الفكاهي في أعمال (خمبلة) يضفي عليها طابعًا تأويليًا أكثر من كونها صورًا ونصوصًا مباشرة.
وفي حلقتهم (خيمة صلبوخ) نجد عرضًا يعتمد على النهج ما بعد الحداثي في النظر إلى المثقف؛ بدءًا من العنوان (خيمة، مكتب، قاعة ثقافية)، (صلبوخ، الدكتور فلان)؛ فالعنوان يحمل في طياته رمزًا تهشيميًا للمثقف، ولأن الشخصية المثقفة في هذا العمل التي ألفت كتابًا بعنوان (برغماتية المجتمع) فإنه لم يجد مِن المجتمع -الذي يسمه بالبرغماتية- مَن يشتري هذا الكتاب؛ وهنا انتصار للمجتمع من المثقف، وتصويره بالتهويل والذهنية التي تتعامل مع المجتمع بنظرة استعلائية ونظرة ريبية لأنه يخيّل إليه أن هذا المجتمع يفكر في الإطاحة بالسياسي من خلال توهمات مونولوجية تدور في خلد هذا المثقف/الدكتور. فما كان من المجتمع -وهم الشباب الذين يمرحون ويلعبون في البر والقاطنين (خيمة صلبوخ)- إلا أن اتهموه بالجنون.
وهذه النظرة إلى المثقف هي نظرة إسقاطية؛ تحاول التغلب على سلطوية المثقف وهي امتداد لتفكيكية ما بعد الحداثة التي اهتمت بالهامش/المجتمع على حساب النخبوي/المثقف؛ وهو ما جعل الكثير من الفلاسفة يناقشون انزياح سلطوية المثقف كميشيل فوكو الذي يرى أن «الناس راشدون بما فيه الكفاية لكي يختاروا مرشحيهم» (فوكو، ميشيل، المثقف والسلطة، ترجمة عزالدين الخطابي، مجلة رؤى التربوية العدد 73)، واستبدل المثقف العمومي بالمثقف الخصوصي، وهي الرؤية ذاتها التي ينطلق منها علي حرب في كتابه (أوهام النخبة أو نقد المثقف) لإعلان (موت المثقف) واستبدل مفهوم المثقف بالمثقف الوسيط.
- صالح بن سالم