د. صالح بكر الطيار
بحكم عملي منذ سنوات في فرنسا وتنقلي بين عدة دول عربية وآسيوية وأوروبية في دعوات ومشاركات وأوراق عمل. هذا التنقل المكاني والسفر المتواصل جعلني قريبا من عدد من سفراء وطني الحبيب في عدة دول خارجية ومكنني من الاحتكاك أكثر بالرعايا السعوديين في الخارج، وأن أكون جزءا منهم، أعيش بينهم وأتعايش معهم في عدة دول ونحن كسعوديين تجمعنا كلمة الدين وتوحدنا وطنيتنا ونشترك في رفع اسم بلادنا عاليا في كل المحافل بحيث أن يكون كل مواطن فيها سفير لبلده، وخير ممثل له لأنه يعكس ثقافة شعب ويصدر سلوك وطن.
كنت قد ناقشت موضوع السفراء في مقال سابق منذ سنوات، وما أود أن أناقشه في مقالي اليوم نقد أحمله من باب وطنية مخلصة ومن منطلق وعي وطني وإحساس بما لمسته ولامسته وعشته بل ونقله لي العديد من إخواني المواطنين في الخارج، وحتى بات مفهوما لدى آخرين من المسؤولين في تلك الدول، وهو يتعلق ببعد بعض السفراء عن تلمس احتياجات الرعايا السعوديين بل وتقوقع بعضهم في مكتبه وعدم خروجه للالتقاء بالرعايا والطلاب ومشاركتهم حياتهم العامة ومناسباتهم، بل وإن البعض لا يكاد يكون معروفا الا باسمه فقط؛ فهو بعيد عن كثير من المناسبات الرسمية والخاصة وتجده يوكل كل أمور السفارة للرجل الثاني أو للقنصل أو غيرهم.
منصب السفير منصب ديبلوماسي رفيع وهو ممثل أول للدولة في الخارج؛ لذا يجب أن يكتمل المنصب بالمسؤوليات كاملة وان يكون في اطار مهام متعددة لا تقتصر فقط على المسوؤليات الرسمية ومقابلة الوفود رفيعة المستوى والتقوقع خلف المكتب بل لا بد أن يكون السفير ذا شخصية اجتماعية، وأن يكون بين الرعايا في الخارج وأن يعيش همومهم وآلامهم وأن يتفهم مطالبهم وإن يكون همه الأول خدمتهم في بلاد الغربة، وهذا ما توصي وتوجه به القيادة دوما كل السفراء باختلاف الدول وقيادتنا الرشيدة حريصة كل الحرص بل ومن أولى اهتماماتها تلمس احتياجات المواطنين في الخارج والحرص على سلامتهم وتوفير متطلباتهم من سكن وتعليم وصحة وأمن والخدمات الاجتماعية وتوفير بيئة مناسبة لأي سعودي في الخارج، وهو ما جعل عدداً من السفراء المميزين يعيشون بين الرعايا يتلمسون احتياجاتهم ويقفون على تفاصيل الخدمات التي يطلبونها ويعايشون الهموم اليومية لاي مواطن خارج المملكة، إضافة إلى فتح أبواب السفارة ووسائل الاتصال مع كل مسؤوليها أمام المواطنين على مدار الوقت حتى تكون السفارة ممثلية خارجية تمثل الوطن في الخارج وجزءا منه لخدمة المواطن الذي يحمل هوية المملكة العربية السعودية.
ومن باب تجارب لي في العمل خارج المملكة ومشاركتي في العديد من المحافل فقد لمست تميز بعض السفراء في اداء مهامهم وفي تمثيل الوطن أجمل تمثيل حتى ان كل المواطنين في الخارج يعرفونهم ويقابلونهم متى ما شاءوا ويجدون السفير بينهم يعيش همومهم ويتعايش مع مطالبهم، ومن الأمثلة التي تبروز ذكراها في مسيرة الدبلوماسية السعودية وعلى راس السفراء المتميزين ممن سجلوا هذه الذاكرة المتميزة عميد الديبلوماسيين السعوديين معالي السفير الدكتور عبدالعزيز خوجة في المغرب والسفير الدكتور اسامة شبكشي السفير السابق في ألمانيا، ومعالي السفير الدكتور خالد العنقري في فرنسا الذي ما أن وطأت قدمه فرنسا سفيرا للمملكة في احلك الظروف والتحديات التي تواجهها بلادنا الغالية وهو يشع نشاطا ولقاءات مع الجالية السعودية وبعض المسئولين الفرنسيين ضمن ما يسمع به العرف الدبلوماسي (قبل ان يقدم أوراق اعتماده للرئيس) هم نماذج مشرفة لامست ما قدموه قلوب الجميع ورايت مدى حرصهم على العمل الدؤوب وعلى إظهار الصورة المشرقة للممثل الديبلوماسي الناجح الذي صنع في قلوب كل السعوديين وحتى مواطني الدول التي عملوا فيها قصص وذاكرة خالدة من المهام التي كان عنوانها النجاح وتفاصيلها رحلة كفاح في العمل الديبلوماسي الخارجي.
رأينا هؤلاء السفراء يعيشون ادق تفاصيل حياة الرعايا وساهموا في حل مشكلاتهم بل وكانت سفاراتنا التي كانوا على راس الهرم فيها مثالا يحتذى به في العمل والانجاز وتفوق على العديد من سفارات الدول العربية الاخرى والصديقة.
السفير منصب إستراتيجي يتطلب التخطيط ويستدعي المشاركة الفاعل والتفاعل المشترك مع فعاليات الدول ومع مناسبات السفارات الاخرى وايضا يرتكز على اهمية تواجد السفير في المحافل كممثل للدولة ومن أهم مزايا السفير أن يكون متواضعا متفاعلا مع قضايا المواطنين في الخارج مشاركا لهم في حياتهم ومع همومهم واحتياجاتهم لانه بذلك يصنع بيئة أمان نفسي واجتماعي ومجالا أمثل من المسؤولية الحقة فها نحن نجد القيادة لدينا في المملكة تشارك المواطنين أدق تفاصيلهم ومن بعدهم امراء المناطق الذين ينفذون توجيهات القيادة في اهمية المشاركة الشعبية علما بأن المواطنين في الخارج الذين سافروا لأهداف دراسية او وظيفية او مشاركة في محفل يحتاجون دعما اكبر وأميز من السفير الذي يمثل الدولة بأكملها هنالك الامر الذي يسهم في رسم صورة مشرقة عن الدولة من جهة ويوظف ويكرس مناخا ملائما من المساعدة والمساندة للرعايا الذين يعدون السفارة وطنا في الغربة.
أتمنى أن يعي بعض السفراء المهام الملقاة على عاتقهم وان يكونوا قريبين من الرعايا وان يمثلوا الدولة في كل المحافل الخارجية في المناسبات التي تقيمها الدول بعيدا عن إنابة غيرهم لأن السعوديين في الخارج يكونون جزءا من تلك المناسبات ويطمحون بمن يكون ممثلا لهم وان يشاركوا الرعايا في الخارج شؤونهم وقضاياهم بدقة حتى يلامسوا هموم من يحتاج إلى دعم والى رعاية وإلى متابعة لشؤونه وأن يكونوا بين اخوانهم كإخوة كبار وموجهين ومرشدين لهم، وأن تظل أبوابهم مفتوحة امام من يطمع في مقابلتهم وان يكون لهم يوما مخصصا في الاسبوع لمناقشة اوضاع اخوانهم السعوديين من المقيمين او الزائرين لتعزيز مفهوم المواطنة لديهم ولتلمس احتياجاتهم والالتقاء بهم وان يكون لديهم برامج وأنشطة اجتماعية مستمرة للاندماج في المجتمع السعودي بالخارج وان يكونوا حاضرين بشخصهم وليس ممثلي بغيرهم كرقم دائم في كل المناسبات والمحافل وان يتخذوا من بعض السفراء المميزين ممن سبقوهم إلى العمل الديبلوماسي قدوة يحتذى بها، وأن تظل سيرتهم مجال اقتداء ونهج عمل يسيرون عليه المهام الموكلة اليهم ومتطلبات العمل.
فكم من سفراء دول صغيرة غير مؤثرة ولكن نشاطهم واتصالاتهم تجعل من دولهم دولا عظمى.
لذا أتمنى من بعض سفرائنا في الخارج ممن شمله نقد مقالي أن يراجعوا أنفسهم وأن يعيدوا صياغة عملهم الديبلوماسي وأن يتواضعوا وينزلوا من كبريائهم وبروجهم العاجية.
نفذوا بدقة توجيهات مولاي خادم الحرمين الشريفين وولاة عهده حفظهم الله..واتقوا الله في الوطن ومواطنيه فهذه أمانة ومسئولية أراد الله لكم ان تتحملوها فكونوا على قدرها..فكل مواطن مخلص سفير مشرف لبلاده.