د. سلطان بن راشد المطيري ">
البيعة في الإسلام البيعة فِي اللغة: المعاهدة والمعاقدة. والبيعة فِي الشرع: المعاقدة والمعاهدة عَلَى العمل بكتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم-.
قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيما .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- أنَّهُ قَالَ: ((وستكون خلفاء فتكثر)) قَالُوا: فما تأمرنا؟ قَالَ: ((فُوا ببيعة الأولِ فَالأوَّلِ، وأعطوهم حقهم فإنَّ الله سائلهم عما استرعاهم)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قال الحسن البصري -رحمَهُ اللهُ-: «والله لا يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وأنَّ فرقتهم لكفر» انظر: جامع العلوم والحكم (2/117 حديث رقم 28). ولا شك أن في أعناقنا بيعة للملك سلمان بن عبدالعزيز سلمه الله قد مضى عليها عام فنحمده على التمام ونسأله أن يعيننا حتى نلقاه ونحن على هذه البيعة نراقب الله فيها.
هناك من بايع الملك سلمان بن عبدالعزيز سلمه الله منا مباشرة، أو عن طريق أمراء المناطق الذين فوضهم الملك بأخذ البيعة عنه، أو من بايع أهل الحل والعقد من الأمراء والعلماء عنهم.
ولا شك أن لهذه البيعة مظاهر وواجبات سيسألنا الله عنها إن نحن لم نؤدها على حقها.
قد لخصها الشيخ العالم عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم رحمه الله وأعلى درجته في المهديين في كتابه النافع (معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة) والذي يجب أن نعيد قراءته مرات عديدة، ونهتم بذلك، خاصة المثقفين منا وكتاب الصحافة، وخطباء المساجد والعلماء.
لما لهذا الموضوع من أهمية يقوم عليها ويستقيم حال الوطن والمواطن يقول رحمه الله مختصراً عن حقوق السلطان العشرة والتي هي حقوق الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي نص عليها الشرع الحنيف في كتابه معاملة الحكام:
حقوق السلطان العشرة:
فالحق الأول:
بذل الطاعة له ظاهراً وباطناً في كل ما يأمر به أو ينهي عنه إلا أن يكون معصية، قال الله -تعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (سورة النساء الآية 59).
وأولو الأمر هم: الإمام ونوابه - عند الأكثرين- [ص-30] وقيل: هم العلماء وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((السمع والطاعة على المسلم فيما أحب -أو كره- ما لم يؤمر بمعصية)).
فقد أوجب الله -تعالى- ورسوله: طاعة أولي الأمر ولم يستثن منه سوي المعصية فبقي ما عداه على الامتثال.
الحق الثاني:
بذل النصيحة له سراً وعلانية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدين النصيحة، قالوا : لمن ؟ قال : لله، ولرسوله، ولكتابه ولأئمته المسلمين، وعامتهم.
الحق الثالث:
القيام بنصرتهم باطناً وظاهراً ببذل المجهود في ذلك لما فيه نصر المسلمين وإقامة حرمة الدين وكف أيدي المعتدين.
الحق الرابع:
أن يعرف له حقه وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله -تعالى- له من الإعظام، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم مع زهدهم وورعهم، وعدم الطمع فيما لديهم وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم، فليس من السنة.
الحق الخامس:
إيقاظه عند غفلته، وإرشاده عند هفوته، شفقة عليه، وحفظاً لدينه وعرضه، وصيانة لما جعله الله إليه من الخطأ فيه
الحق السادس:
تحذيره من عدو يقصده بسوء، وحاسد يرومه بأذى أو خارجي يخاف عليه منه، ومن كل شيء يخاف عليه منه -على اختلاف أنواع ذلك وأجناسه- فإن ذلك من أكد حقوقه وأوجبها.
الحق السابع:
إعلامه بسيرة عماله الذين هو مطالب بهم ومشغول الذمة بسببهم، لينظر لنفسه في خلاص ذمته، وللأمة في مصالح ملكه ورعيته.
الحق الثامن:
إعانته على ما تحمله من أعباء الأمة ومساعدته على ذلك بقدر المكنة، قال الله -تعالى- (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (سورة المائدة الآية 2)، وأحق من أعين على ذلك ولاة الأمور.
[ص-31] الحق التاسع:
رد القلوب النافرة عنه إليه وجمع محبة الناس عليه لما في ذلك من مصالح الأمة وانتظام أمور الملة.
الحق العاشر:
الذب عنه بالقول والفعل وبالمال والنفس والأهل، في الظاهر والباطن والسر والعلانية.
وإذا وفت الرعية بهذه الحقوق العشرة الواجبة، وأحسنت القيام بمجامعها، والمراعاة لمواقعها، صفت القلوب وأخلصت واجتمعت الكلمة وانتصرت.
هذه الحقوق العشرة هي دين وعهد وميثاق في رقابنا خاصة من الملاصقين للملك من العلماء والمشايخ والأمراء والخويا، وأعيان وشيوخ القبائل والمواطنين والمقيمين على أرض المملكة ومن في حكمهم.
وإظهار هذا الولاء وهذه البيعة ومظاهرها في المجالس والمحافل وفي صفحات الجرائد والقصائد والمناسبات والاحتفالات وعلى الشبكة العنكبوتية وفي صفوف المثقفين والشعراء أمر واجب وأثره محمود.
وتكمن أهمية ذلك اليوم وأهمية التذكير به والحث على مراقبة الله في تطبيقه جراء ما تتعرض له بلادنا من حروب ومشاكل ومنقصات وإرهاصات من الأعداء والمنافقين.
ولاشك أن تماسك الجبهة الداخلية بتحقيق هذه الحقوق العشرة له أكبر الأثر في صد الأعداء ودفع شرورهم، وحفظ الأمن والأمان بإذن الله.
خاصة أن السمع والطاعة واجبة في غير معصية،
ونصيحة الأمام مع أهميتها وحث الشارع عليها إلا أن طريقة النصيحة للأمام لها خصوصيتها في الشرع قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «بعض الناس ديدنه في كل مجلس يجلسه الكلام في ولاة الأمور والوقوع في أعراضهم ونشر مساوئهم وأخطائهم معرضاً بذلك عمّا لهم من محاسن أو صواب، ولا ريب أن سلوك هذا الطريق والوقوع في أعراض الولاة لا يزيد في الأمر إلا شدة فإنه لا يحل مشكلاً ولا يرفع مظلمة إنما يزيد البلاء بلاءاً ويوجب بغض الولاة وكراهيتهم وعدم تنفيذ أوامرهم التي يجب طاعتهم فيها» (وجوب طاعة السلطان للعريني ص23-24. )
هذه أمور تعبدية سيسألنا الله عنها، أديناها أم لم نؤدها كما جاء في حديث بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا قال : تودون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم)) (161) (متفق عليه).
واليوم بلادنا تواجه أعداء الأمة وقد تكالبوا علينا عن قوس واحد، دول وجماعات وأحزاب!!
فمن أراد النجاة لنفسه وأهله ومجتمعه، واتعظ بغيره من البلدان المجاورة ولزم قول ربه وسنة نبيه فقد نجى.
ومن تنكر لذلك وعصى فنوليه ما تولى وحسبنا وحسيبه الله سينتقم الله منه قريبا وعاجلا غير آجل.
قال التابعي الجليل، الحسن البصري -رحمه الله تعالى- عن ولاة الأمر: هم يلون من أمورنا خمسا: الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود، والله ما يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا، أو ظلموا، والله لما يُصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم لغيظ، وإن فرقتهم لكفر.
فنسأل الله أن يوفق ولاة أمورنا لما يحب ويرضى ويوفق الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وولي ولي العهد وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ووزرائه وأمراءه ومستشاريه لما يحب ويرضى وينصر بهم الإسلام والملة.
نجدد البيعة لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَه.
هذه أهم مظاهر بيعتنا للملك سلمان بن عبدالعزيز ونسأل الله أن يعيننا على الوفاء بها.
حتى نلقى ربنا وهو راض عنا ووفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
- الرياض