أ.د. فهد مطلق العتيبي ">
تنطلق أغلب الأدبيات المهتمة بالنظام العالمي الجديد من مركزية الثقافة الأمريكية (او الغربية بشكل أعم) في مقابل ثقافات العالم الأخرى التي تمثل في هذه الأدبيات الأطراف. إن العلاقة بين المركز (الثابت) و الأطراف (المتحول) في مثل هذه الأدبيات هي علاقة تأثير في اتجاه واحد ينطلق من المركز باتجاه الأطراف. وهذا يعني في الجانب الثقافي «العولمة الثقافية» وهي عملية قولبة ثقافات «الأطراف» أو تنميطها لتظهر بصورة تشابه إلى حد كبير الثقافة المركز. والحقيقة أن مثل هذا الفهم لوضع الثقافات في النظام العالمي الجديد هو فهم صحيح ولكنه لا يعطي الصورة كاملة لوضع الثقافات الوطنية تحت وطأة ثورة المعلومات والاتصالات. حيث يبدو الأمر أكثر تعقيداً مما يشي به هذا الطرح.
فمن خلال استقرائي الطويل لوضع الثقافات الوطنية في ظل الثورة العالمية المعاصرة في جانب المعلومات والاتصالات وجدت أن فهمنا للعولمة الثقافية بالصورة المطروحة أعلاه يعتبر فهما قاصرا. فتأثير وسائل الإعلام والاتصال والثورة المعلوماتية على الثقافات الوطنية تأثير ذو بعدين. البعد الأول هو ما تم شرحه أعلاه. أما البعد الثاني فهو ما يمكن أن نسميه «البعد التفكيكي» للثقافة نفسها. حيث تتم هنا عملية تفكيك الثقافة إلى مكوناتها الرئيسية. فمثلاً مع ظهور القنوات الفضائية ظهرت العديد من القنوات المناطقية أو القبلية التي تعنى بالجزء (المنطقة -القبيلة) على حساب الكل (الوطن). فبدلا من أن يكون الوطن بثقافته الوطنية بوتقة انصهار لكل هذه المكونات بدأت تطغى هذه المكونات على الوطن.
يتبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف يمكن للثقافات المختلفة المحافظة على كيانها ضد هذا التهديد الخارجي سواء المفضي إلى سلبها مميزاتها الخاصة وروحها لتتشابه مع الثقافة العالمية أو ذلك التهديد المفضي إلى تفتيت هذه الثقافة من الداخل إلى عدة ثقافات؟ الجواب يكمن في تعزيز الانتماء الوطني. حيث يجب على الحكومات وضع خطة طويلة الأمد لتحقيق هذا الهدف مما يمكن الثقافة الوطنية من الصمود أمام هذه المتغيرات. مثل هذه الخطة يجب أن تأخذ في الحسبان تنمية عوامل تعزيز الانتماء الوطني مثل الولاء للوطن والحفاظ على مقدراته واحترام القدوة وربط الشباب بماضيهم ...الخ
- استاذ التاريخ بجامعة الملك سعود