7 - حلب..
كانت صديقتي تذهب إليها كل صيف لتقضي شهرًا مع أخواتها طالبات الجامعة وتعود لتحكي لي عن مغامراتها هناك، ولأني صرت أحب حلب، قررت أن أكمل دراستي فيها مع أن صديقتي اختارت الدراسة في معهد يبعد عن مدينتنا ساعتين فقط.
كانت أول زيارة إلى حلب في صيف عام 1997 حين ذهبت لتقديم امتحانات السنة الأولى، وهناك طلبت من أخي أن أتعرف إلى حلب، فاصطحبني مشيًا على الأقدام في نزهة طويلة درنا فيها حول المدينة الجامعية الكبيرة التي تقع في وسط الكليات تقريبًا! كان أخي يصر على أن أنتبه إلى الطريق كي أتمكن من الذهاب وحدي لو انشغل ولم يستطع الحضور قبل بدء امتحاني، لكني كنت خائفة من تجربة ذاك وحدي، ربما لأني اعتمدت منذ البداية على وجوده وعلى تكفله بالاهتمام بالطريق، فليس علي أن أقلق بشأنه، وهكذا مضى الشهر دون أن أعرف كيف أتوجه إلى الجامعة دون أن أضيع، لم أكن حينها واعية لعلاقتي المضطربة بالجغرافيا!
في تلك الرحلة اصطحبني إلى أبرز معالم المدينة -من وجهة نظره- فذهبنا إلى العزيزية والسليمانية لأرى مسجد التوحيد - الذي يعرف لدى العامة بـ»جامع الجكارة»- بمآذنه الكبيرة التي تتوزع على الجهات الأربع، ويحيط به أربع كنائس ذات طراز معماري رفيع! والجميلية وشارع الشلالات والفيض -كانت هذه الأخيرة كريهة وقذرة ومزدحمة- بالإضافة إلى المنطقة التي سكنا بها «المريديان»، لا أذكر أنني ذهبت معه إلى السوق لكني طلبت منه اصطحابي إلى مكتبة أشتري منها كتبًا.
لم تختلف الرحلات اللاحقة إلى حلب كثيرًا عن رحلتي الأولى، لكني صرت أعتمد على نفسي كثيرًا، وأحاول الاستغناء عن وسائل المواصلات قدر المستطاع، لأني أثق أن المشي سيعلمني الكثير وسيمنحني فرصة أكبر لاكتشاف وجه المدينة، وبت أقطع المسافات الطويلة من «المريديان» إلى محطة بغداد أو المحافظة أو السريان وشارع النيل. صحيح أن المناطق كانت محدودة، لكني لم أعد أهاب الضياع لأنني صرت ماهرة في وضع العلامات التي تدلني على الطريق الذي أريد وربما استطعت إيجاد طرق مختصرة أيضًا!
فرغت من قراءة رواية «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» لخالد خليفة يتحدث فيها عن حلب كما لا أعرفها، مدينة غريبة مثقلة بالشهوات والجبن والخوف، لم أختبر هذا الجانب منها لأنني ظللت بالنسبة لها مجرد سائحة للدراسة أو غريبة تقيم فيها مؤقتًا، لم تمنحني الوقت الكافي لمعرفتها أو لعلي كنت أنا التي لم أمنحها الوقت لذلك، اكتشفت أنني أعرفها معرفة سطحية -ليس بسبب الرواية- وما أعرفه منها مجرد أماكن بسيطة قد يعرف أي سائح أجنبي أكثر منها!
هل تصدق أنني حتى اليوم لم أزر القلعة؟! هل تصدق أنني لم أستقل حافلة النقل العام التي تسميها صديقة «تيتانيك»، والحق أن تشبيهها بليغ جدًا إذ قد تشعر فيها أنك في «فلك نوح» أو «برج بابل»! كنت أنتظرصوت دورات المفتاح السبع في قفل باب الجيران كل صباح حين يخرج الأب إلى عمله، وأعدها واحدة بعد أخرى كأنها إشارة لانطلاقي انا أيضًا إلى شؤوني.
حلب مدينة جبانة مثلي أنا، وأحبها بقدر فطيرة التفاح!
- 8 -
الكويت..
الرحلة الأخيرة لأمي وأبي.
ارقدا بسلام..
- بثينة الإبراهيم