قدّمت بعض المناهج النقدية نفسها للدراسات الأكاديمية على أنها قادرة على تحليل النصوص الأدبية، ومن هذه المناهج المنهجُ الأسلوبي الذي حظي بنصيب وافر من الحضور في قاعات الدرس، والتطبيق في الدراسات الأكاديمية، وبخاصة الدراسات الشعرية.
ومن المفاجئ أن تقف على كتابٍ عنوانُ أحد فصوله: هل ماتت الأسلوبية؟ فبينما يتساءل الغرب ومن ترجموا المنهج عن موته، وهل ما زال صالحاً للتطبيق والدراسة؟ نجد جامعاتنا تبدأ في اهتمامها بهذا المنهج.
ليست مشكلة المنهج الأسلوبي في كونه صالحاً للتطبيق على النصوص أو غير صالح، بل مشكلته في أنه يجعل النصوص متساوية في الوصف، ولو استعرض القارئ كثيراً من بحوث النقد الأدبي الأكاديمية التي طُبّقتْ على الشعر؛ لوجدنا أن كل شاعر لديه تقديم وتأخير، ولديه خبر وإنشاء، ولديه محسنات بديعية لفظية، ... إلخ، ولا تقف المشكلة عند هذا الحد، بل تتجاوزه إلى أنها -أعني الأسلوبية- لا تعطي لنفسها حقّاً في إبداء الحكم على قيمة العمل الأدبي، فهي منهج وصفيّ تقف حدوده عند وصف العمل الأدبي. يُنظر: أسئلة الدلالة وتداوليات الخطاب، صابر حباشة، ص126-127، وتكتفي بهذا الوصف، ومن هنا تتساوى النصوص، ويصبح الشعراء العاديون في منزلة المجوّدين، وأرى أنه لا قيمة عالية لمنهج يجعل النصوص الأدبية الرفيعة إزاء نصوص هي أقرب إلى النظم؛ لأن كلا النصين يستعمل الأدوات الأدبية نفسها! وفي رأيي أيضاً أن هذا المنهج لا يصنع باحثاً جيداً.
وإذا رأيتَ الباحث الذي اعتمد الأسلوبية منهجاً لدراسته يُبدي رأيه في توظيف الشاعر تلك الأدوات؛ فإنه تجاوز حدود المنهج، وفي نظري أن هذا التجاوز سائغ، بل مطلوب؛ لكي يدرك المتلقي قيمة المنجز الأدبي الذي بين يديه، ويعرف مستواه الفني، ولتظهر أيضاً شخصية الباحث، وتطفو آراؤه النقدية، وينمو حسّه النقدي. أما أن تكتفي الدراسة بوصف الظواهر والسمات الأدبية، ولا تبيّن هل أجاد الشاعر في توظيف هذه السمات أم لم يجد؛ فسيكون منتجو النصوص كلهم في مستوى واحد، ولن يتميز أحدهم عن الآخر، ومن هنا أرى أن تداخل المناهج النقدية في الدراسة الواحدة مطلوب، على أن يكون بوعي وبدقة، وبخاصة التداخل بين المناهج التحليلية التي تصف النصوص والنقد الأدبي الذي يحكم عليها.
ويمكن أن نجد مثل هذا في الأسلوبية المقارِنة التي اجترحها محمد الهادي الطرابلسي، وهي تعتمد المقارنة أساساً في حدود لغة واحدة، إلا أنها تقتضي وجود نصين فأكثر. (شعر على شعر معارضات شوقي بمنهجية الأسلوبية المقارنة، مجلة فصول، مج3، 1/95 )، فهل يمكن أن تخط الأسلوبية والمناهج التحليلية عامة لنفسها طريقاً جديدةً تعطيها مجالاً للحكم النقدي على النصوص؛ فتكون بذلك قد أسهمت في وصف الأعمال الأدبية من جهة، وأبدت الحكم عليها من جهة أخرى، وهيّأت الباحث ليكون ناقداً؟
- د. سعود بن سليمان اليوسف