د. محمد فضل محمد فضل ">
الإسلام دين عظيم وفيه قيم سامية، ضاربة بجذورها في نفوس المسلمين ومن تلك القيم، القيم الإنسانية، والأخلاق الحميدة والتعاون على محبوب الله -عز وجل- لتعظيم شعائره، وحفظ النفس التي حرمها الله إلا بالحق وللأسف ظهرت مجموعة تدعي زورا وبهتانا بأنها تحمي بيضة المسلمين وتذود عن حياض الإسلام وهي في نفس الوقت تقتل أهله قبل أهل الكفر، وتسمي نفسها بداعش.
وهذه الطائفة ليست الأولى وإنما هي امتداد للخوارج وهي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية «أول البدع ظهورًا في الإسلام، وأظهرها ذَمًّا في السنة والآثار: بدعة الحرورية المارقة؛ فإن أولهم قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه: اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتلهم وقتالهم، وقاتلهم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أمير المؤمنين على بن أبي طالب.
والأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مستفيضة بوصفهم وذمهم والأمر بقتالهم. قال أحمد بن حنبل: صَحَّ الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يَحْقرُ أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة، أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة». «مجموع الفتاوى، ج19، ص71».
وداعش لا تفرق في قتلها بين مسلم وغيره بل تستحل دماء الجميع، ويكاد أن يكون قتلها للمسلمين هو الأبشع والأكثر وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) «أخرجه البخاري 3344 ومسلم 1064» فقد استخدمت داعش كل أساليب القتل من حرق للإنسان حياً وبدمٍ بارد، وأساليبها في التعذيب والقتل فاقت أساليب التتار وتفوقت عليهم، بالإضافة إلى وسائل التعذيب الأمريكية ووسائل التعذيب التي يستخدمها النظام السوري.
أن هذه الفرقة المنحرفة تستخدم أساليب ووسائل متعددة في التجنيد منها غسل الأدمغة بأفكارهم الخبيثة حيث تستهدف الشباب، كونهم الفئة العمرية (16، 30) سنة الأكثر اندفاعا واستجابة للأفكار فهي تعيش مرحلة عدم الاتزان، ومن السهل خدعهم بتحريفهم للقيم الإسلامية كخدعهم بالجهاد والحور العين، كما يستخدمون أسلوب الإغراء في الهجرة إلى دولة الخلافة ولاسيما النساء أو ما يعرف بزواج نكاح الجهاد فقد كشفت الاستخبارات الأوروبية عن وجود شبكة نساء على الشبكة العنكبوتية تستغل وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، ويتم مخاطبة الرجال بلغة الشهامة والرجولة تحت عبارة «النساء يجاهدن والرجال قاعدون» ومن الأساليب أيضا تحريك الغريزة القتالية لدى الأطفال بحجة الانتصار للحرائر المضطهدين في بعض البلاد ذات الأقلية المسلمة، كما يستخدم أسلوب تصفية الخصوم ولا سيما من الفرق الإسلامية المخالفة لهم باعتبار أنهم قد عرفوا الحق ولم يلتحقوا بدولة الخلافة ولهذا ترى من الضروري قتلهم وإبادتهم.
ومن الأساليب التي يستغلها التنظيم شبكات الإنترنت للترويج للتنظيم من خلال المدونات والمواقع الخاصة، وصفحات التواصل الاجتماعي على الفيسبوك وتويتر، وأفلام كرتونية، واستخدام الرسائل الخاصة للتواصل مع المؤيدين واستقطابهم أو توظيفهم عبر خطة إعلامية واضحة الأهداف بنشر التغريدات وتنسيقها وجمع المعلومات الاستخبارية، وتنسيق عمليات الرد على الأصوات والتغريدات المعادية لنشاط التنظيم وأهدافه، وبيان أنشطته أو فرض تعاليمه المنحرفة، ونشر الإعدامات بصورة بشعة لإظهار عزة الإسلام -زعموا-، وكذلك تستقبل التغذية الراجعة من خلال التعليقات وهي تعد كقياس رأي يمكن للتنظيم أن يراجع سياسته ووضع خطط بديلة تسهم في نشر أفكاره، كما تستغل «الدولة الإسلامية» القنوات الفضائية عبر مشايخ ودعاة يتعاطفون معهم، من خلال الدروس العلمية في الترويج لأفكارها.
ومن الأساليب التي يستخدمها التنظيم إصداره صحف ومنشورات باللغتين العربية والإنجليزية، ومن أشهرها صحيفة «دابق» بالنسختين أحدهما الكترونية وأخرى ورقية، ويتم توزيع النسخة الورقية على سكان المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم في سورية، كما يتم إرسال النسخة الإلكترونية عبر البريد الإلكتروني، كما تعتمد على علاقات المتعاطفين معهم في الدول الأخرى في الدعم المعنوي والمادي في أوساط شعوبهم وتحريضهم على دولهم بإثارة المؤامرات والفتن والتفجيرات.
وقد أسهمت هذه الأساليب في إغواء الشباب، والوقوع في براثن هذا الفكر المنحرف فقد شهدت الشهور القليل الماضية هجرة مئات الشباب من دول العالم المختلفة ولا سيما السودان إلى بلد الخلافة -زعموا- وتعرض بعضهم للتصفية والقتل حينما وقفوا على حقيقة هذا الفكر، وتراجعوا عن تأييده.
وحتى لا يقع أبناؤنا في أحضان هذا الفكر المنحرف يجب علينا أن نحصنهم منه بإقامة الندوات التوعوية، والحلقات العلمية التي تعري هذا الفكر وتفضح أساليبه وإغراءاته في جذب الشباب والانتماء له، وكذلك قطع دابر من يقوم بدعمهم أو يشجع الشباب في القتال ضمن صفوفهم انطلاقا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) وقوله: (فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة)
وفي تصوري أن من أهم الأفكار التي تسهم في تحصين أبنائنا من الوقوع في براثن هذا التنظيم:
1 - تأصيل العقيدة الصحيحة وما يضادها في ظل انتشار الأفلام الكرتونية وألعاب الفيديو التي تروج إلى الشرك والإلحاد، وكذلك الأفلام التي تروج للأفكار المنحرفة والمتطرفة، فحينما يعرف الشباب على العقيدة الصحيحة فإن ذلك سيكون صدا للأفكار المنحرفة وبالتالي يستطيع أن يواجه كل التحديات التي يمكن أن يفرخها أعداء الإسلام المتطرفون منهم أو أصحاب العقائد الخربة يقول تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة 256.
2 - حث الأبناء علي مراقبة الله -عز وجل- في السر والعلن وتعزيز الرقابة الذاتية في تصرفاتهم وسلوكهم وكذلك الرقابة الأسرية فإن ضعف الرقابة ساهم في سهولة تجنيدهم، بل إن بعضهم سافر دون علم أهله، وبعضهم فجر نفسه وانتحر دون أن يُعملوا عقولهم ويرفضوا ذلك.
3 - مراقبة الأطفال في الألعاب الإلكترونية وتوجيههم إلى الألعاب الآمنة، ومن لوازم ذلك الاطلاع على مشاهداته في النت ولا سيما أنواع الألعاب التي يلعبها، ومن الذي يلعب معه؟ ولا سيما أن الفكر المنحرف يستخدم هذه الوسيلة باحترافية شديدة في التجنيد.
4 - غرس قيم الحياء والصدق والأمانة في نفوسهم فالحياء شعب من شعب الإيمان، والصدق مع الله ثم مع الناس، والأمانة وأداء حقوق الناس كلها قيم محصنة للشباب في الوقوع في شباك الأفكار المنحرفة أو المتطرفة.
5 - تعليمهم ثقافة الحلال والحرام وأن المقبول والمرفوض شرعا هو من صميم ديننا وكما في الحديث (إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) أخرجه البخاري برقم 2057.
6 - على الآباء أن يكونوا قدوة حسنة للأبناء ولا ينبغي أن يفعلوا ما ينهوا عنه، ومن السلوكيات الخاطئة أن يقع القدوات في مخالفات شرعية الأمر الذي يعطي الأبناء انطباعا سلبيا تجاههم مما يصرفهم إلى آخرين قد يقودونهم إلى الفكر المنحرف أو التطرف ولهذا حذر المولى -عز وجل- من هذا السلوك حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف، الآيات 2-3.
7 - عدم ممارسة القهر والعنف كأسلوب تربوي والسب والشتم لمجرد الخطأ العارض وإنما الواجب أن تعلمهم كيف يعدلون سلوكهم الخاطئ كما يجب أن يكون الحوار لغة التفاهم مع الأبناء، وتربيتهم على النقاش والسؤال والتفكير وإعمال العقل بمعنى «قرر ولا تتبع فقط.. لا تسلم عقلك لغيرك»، وبذلك يسلم من الوقوع في التطرف أو الأفكار
8 - على الآباء أن يكونوا أصدقاء لأبنائهم ومستمعين جيدين لآرائهم ولا ينبغي لهم يتجاهل شكواهم، ومن المهم جدا إذا اشتكى أحد الأبناء من أمر ما يجب أن يستمع الآباء إليهم باهتمام، وإظهار التعاطف معهم ولا ينبغي تجاهل آرائهم بل لا بد من احترامها، فإن التجاهل سيفضي إلى البحث لمن يستمع إليه ومن ثم قد يقع في فخ الأفكار المنحرفة أو المتطرفة.
9 - شاركهم في ألعابهم واهتماماتهم وعلمهم كيف يتفادون الألعاب غير المرغوبة والمرفوضة شرعا أي ممارسة عملية التغذية الروحية والتربوية، وسينعكس ذلك عليهم إيجابياً، حيث الرعاية والاهتمام الأبوي الذي يزرع فيهم الثقة مما يعزز من الرباط الأسري يصعب اختراقهم من قِبل الأفكار المنحرفة أو المتطرفة.
10 - تعاهد الدعاء للأبناء بصلاح الدين والدنيا كما كان إبراهيم عليه السلام في دعائه لأبنائه بل وذريته من نسله حين دعا منها بدعوات مباركة وكثيرة: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} سورة إبراهيم، الآية 40، ودعاؤه أيضا: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} سورة إبراهيم، الآية 37.