آمال عبد الصمد ">
في بلد يرفل بالغنى والوفرة ولله الحمد قد يبدو الحديث عن حفظ النعمة كالتغريد خارج السرب, إذ لم علينا أن ننشغل بحفظ النعمة إذا كنا نملك من المال ما يمكننا من الحصول على كل ما نريد دون قلق.
استعمل الإنسان موارد الأرض قديماً على مبدأ الاستدامة، وقد استطاع أن يحافظ عليها متجددة ومحمية لآلاف السنين حتى وصلنا إلى القرن العشرين, فالآلات قد وضعت كل الموارد في متناول اليد وغالباً بأسعار ممكنة للجميع وهذا التوفر الغزير للموارد وكثرة كمياتها المطروحة يمنح شعوراً كاذباً بأنه سيكون هناك المزيد دائماً وكل شيء سيبقى موجوداً بوفرة كما هو الآن ولا داعي للقلق.
هل حقا سيمكنك الحصول على ما تريد دائماً لمجرد أنك تملك المال؟؟
الواقع يقول إن الجواب هو: لا.
خاصة قياساً لحجم الاستهلاك اليومي الهائل للموارد الطبيعية التي رغم ضخامتها ليست سوى موارد طاقتها المحدودة فما لا يتجدد سينتهي.
عند ما ضرب الزلزال اليابان تعافت البلد سريعاً من مصابها وهي خاصية ينفرد بها هذا البلد العظيم إذ عندما طرحت الحكومة منتجات غذائية مجانية للأسر المنكوبة انطلق كل شخص من نفسه وأخذ كمية قليلة تقتصر على الحد الأدنى من حاجته فقط وبهذا كانت الكمية كافية للجميع وهو منطق لا يتسم به عالمنا فالأكثرية يتصرفون على مبدأ: علي أن أسارع بجمع ما أستطيع واستهلاكه قبل أن يسبقني غيري إليه.
أو بعبارة أخرى: أريد بيضة اليوم ولا أبالي بدجاجة الغد.
المبدأ المدمرالذي سيقود العالم إلى طريق مسدود.
لو أخذنا الغذاء كمثال: بحساب بسيط لمقدار فائض الطعام الذي يرمى يومياً بسبب زيادته عن وجبتنا ستكون الأرقام بالأطنان, وهنا حتى لو تجاهلنا الجانب الإنساني واستبعدنا التفكير بمشكلة الفقراء الذين لا يجدون ما يأكلون, هناك جانب آخر مختلف: والعملية هنا أكثر تعقيداً فالقصة لا ترتبط فقط بالأرض الزراعية التي إلى تناقص، ولا بالماء العذب الذي تلوح خطورة عدم توفره في الأفق، بل بتعقيدات أخرى تحيط بإنتاج الغذاء، فالبيئة تتغير ومناطق كانت صالحة للزراعة فيما مضى تخرج من الاستعمال وهناك أوبئة كثيرة تقلص الإنتاج الزراعي بل وتهدده برمته أحياناً بالإضافة إلى الحروب المشتعلة في كثير من المناطق التي تعتبر مورداً زراعياً هاماً بالإضافة إلى حقيقة مؤلمة بأن الشركات الكبرى تتحكم بتوزيع زراعة المنتجات على الأراضي بما يخدم أرباحها المالية دون اعتبار لحاجة البشر من الغذاء وعليه تفيد المؤشرات بأنه قياساً إلى زيادة عدد السكان في الأرض والتهديد الذي يلحق بكمية الإنتاج الزراعي سنصل إلى وقت تصبح فيها موارد الغذاء شحيحة وليست سهلة المنال.
وكذلك المياه المستهلكة، نتيجة الاستخدام المفرط لمواد التنظيف ذات التركيب غير القابل للتدوير والتحلل ستصبح خارج الاستعمال وسيكون علينا إما تكريرها لتنقيتها بنسب محدودة أو طرحها في الأرض لتتراكم ترسباتها ونضطر للتعامل مع آثار هذا التراكم في المستقبل القريب.
هذا بعض مما يحدث وهي مؤشرات تقول علينا أن نكون حذرين في تحديد كمية ما نستهلكه ونأخذ جانب العقلانية والاعتدال، والبعض لا يدرك أهمية دوره كفرد, ولكن يجب أن نعلم أن ما يحدث في مجتمعنا هو مجموع لسلوك كل فرد عل حدة، حبة أرز واحدة مهدورة لكل فرد تعني ملايين الحبات على مستوى البلد!!
بالانتباه أولاً والمراقبة لما نفعل: هل نأخذ ما نحتاجه فقط أم نتجاوز الأمر إلى حد الاستهلاك دون رقيب؟ هل يؤدي كل منا دوره ويستعمل حاجته فقط دون هدر؟ فهل تستطيع أن تصدق أن مقدار ما تشتريه من فاكهة ولحوم مثلا قد يؤثر على أسعار هذه المنتجات؟؟
السلع سريعة الاستهلاك كالخضار واللألبان وغيرها وإنما يرتبط بندرة هذه السلع وحجم الاستهلاك وليس بالتكلفة فقط، فكلما زاد الشراء ازدادت الأسعار وعليه إذا كنت تأخذ أكثر من حاجتك ستعزز ندرة هذه المنتجات وتساهم في رفع سعرها فيقع في الأمر الأشخاص محدودي الدخل الذين يعانون من ارتفاع الأسعار.
كل تحسن ونمو يمكنه أن يبدأ من الفرد بأن يقوم بدوره الخاص ويلتزم بالمسؤولية سواء في بيته أو محيطه القريب. ولا ننسى دور الحكومات التي تسن القوانين أو التسهيلات التي توجه المجتمع نحو العقلانية بالاستهلاك. هناك بضعة تجارب رائدة فحكومة كوريا قد وضعت غرامة على الطعام المرمي كقمامة ووضعت نظاماً يتيح تجميع وشراء الطعام الفائض بطريقة قابلة للتطبيق.
الأرض لنا جميعاً ولكن عندما تصل لمرحلة تضيق بنا وبحضارتنا التي شوهت بعض الأشياء ربما تطلق الطبيعة غضبها على الإنسان الذي يريد فقط أن يعيش برفاهية مطلقة دون أن يبالي بالثمن, وغضب الطبيعة قد يتجلى بأشكال نعرفها ولا نعرفها، وما الحروب التي يشتعل سعيرها في كل مكان إلا رسالة تحذير للإنسان بأنه تجاوز الحدود وأن الله تعالى قد سخّر الأرض للبشر لكي يصونوها لا لكي يدمروها.