د. محمد عبدالله العوين
عائلة «دشتي» عائلة كريمة تنتسب إلى منطقة «دشتي» في محافظة «بوشهر» الإيرانية كما تشير المصادر التاريخية، ونزحت إلى الكويت قبل أكثر من قرن واشتغلت بالأعمال التجارية وبرز منها رجال ناجحون في التجارة والدبلوماسية والأدب والصحافة وغيرها، وهذه العائلة الكريمة كغيرها من العوائل والأسر التي نزحت من الدول القريبة من الخليج العربي كبلاد فارس والهند وباكستان وغيرها واستوطنت في دول الخليج، وعلى الأخص تلك التي تقع على ساحل الخليج العربي كالكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان، وقد انصهرت وذابت في نسيج المنطقة الخليجية وكان لها ولا يزال تأثير اقتصادي وعلمي وسياسي مميز وأسهمت مع أبناء المنطقة في نهضتها؛ وهذا الانصهار في المنطقة والتأثر والتفاعل ألغى إلى حد كبير مشاعر الانتماء العرقي القديم، ولم يبق منه إلا ما يذكر بأصل المنبت والمحتد؛ ومنح المهجر الجديد من الفرص ما ذوب النازحين من ديارهم ذوباناً كاملاً أو شبه كامل في بلدان الخليج العربي، وتمت عملية تفاعل متصاعدة مع مرور الزمن وتجدد المصالح وتداخلها مع أبناء المنطقة وقبائلها العربية الأصلية، ولم تكن الإشارة إلى المحتد الأصلي أو الانتماء الطائفي قضية ذات شأن طوال فترة التعايش الطويلة هذه إلى أن قامت ثورة الخميني المشؤومة على نظام الشاه في إيران 1979م وبدأت تظهر تغيرات ملحوظة في الحساسية الطائفية لم تكن موجودة من قبل عند كثيرين من المنتمين إلى الطائفة الشيعية في دول الخليج وفي عدد من الدول العربية القريبة من إيران.
كان التعايش والتفاعل بين الطوائف والعناصر السكانية الأصيلة والنازحة طبيعياً وجميلاً ومثمراً، ولم تشهد المنطقة الخليجية أحداثاً يمكن أن تحسب على أنها نتيجة توتر طائفي خلال أكثر من قرن؛ ولكن الشعارات التخريبية التي أعلنها ملالي «ولاية الفقيه» وتصدير مفهومات الثورة البائسة إلى الطائفيين وذوي الانتماء إلى العرق الفارسي خلال أكثر من ثلاثة عقود وإقامة شبكات وخلايا في دول الخليج لتهيئة وتجهيز عملاء يشعلون نار الفتن والفوضى ومدهم بالمال والأجهزة والموجهين والمرجعيات وتلقينهم أيدلوجيا العرق وادعاء التمذهب ليكون وسيلة وغطاء للعمل الحزبي في الكويت والبحرين والقطيف واليمن والعراق ولبنان وسوريا وغيرها؛ هيأ هؤلاء العملاء المستقطبين المشترين بالمال أو المخدوعين بأيدلوجيا التمذهب وتفوق العرق الفارسي وعداء المذاهب الأخرى؛ كمذهب أهل السنة والجماعة وجعلهم قنابل موقوتة جاهزة للانفجار والتخريب والفوضى في أي وقت متى ما حانت الفرصة وأصبحت سانحة لإشعال الحريق في المناطق المستهدفة.
وهذا بالتمام ما يقترفه المدعو «عبدالحميد عباس دشتي» النائب في مجلس الأمة الكويتي عن الدائرة الأولى في انتخابات 2013م في جل ما ينهض به من أنشطة إعلامية وقانونية وبرلمانية، فقد جعل من نفسه مندوب إيران في الكويت، يتحدث باسمها ويطالب بما يدعمها ويقويها ويمكن تمددها وهيمنتها على المنطقة العربية، ويرفع شعاراتها الأيدلوجية وخطاب ولاية فقهائها، وفي الوقت نفسه يقف وعبر كل المنابر الإعلامية التي تتاح له فرصة الحديث فيها موقف المعادي لدول الخليج وللدول العربية ولانتماءاتها الفكرية والمذهبية ولثقافاتها العربية الأصيلة، معلياً من مرجعيته العرقية والطائفية على جنسيته الكويتية والعربية، وخادماً أميناً لإيران التي صدرت الفتنة والتخريب والدم إلى ديار العرب، ومعلناً تضامنه التام مع بشار الأسد ومع حزب الله في لبنان ومع الحوثيين في اليمن ومع الطائفيين المنتمين إلى إيران الذين قبضوا على مفاصل الحياة في العراق.
وتكررت المواقف العدائية المسيئة للمملكة على لسان دشتي وتوالت تصريحاته المشينة عبر وسائل إعلامية متعددة، وكان آخرها ما تفوه به عبر قناة فضائية محسوبة على النظام السوري، حيث دعا إلى استعداء المملكة والنيل منها، وتجنى على قيادتها، وألصق التهم والأقاويل الكاذبة على اتجاهها الفكري وثقافتها، وأمام هذا العداء السافر المكشوف من نائب في مجلس الأمة الكويتي لا يمكن أن يمر هذا الاستعداء وتلك الكراهية باسم نائب في مجلس الأمة دون محاسبة أو عقاب، وهو الموقف الذي لا يطالب به أبناء المملكة فحسب؛ بل أبناء الكويت وشعبها الأبي وحكومة الكويت الشقيقة التي تقاسمنا معها المستقبل وتعايشنا معها في الأزمات التي مرت، ولا يمكن إلا نكون شعباً واحداً ويداً واحدة في السراء والضراء أمام من يستهدف المنطقة العربية بالتخريب والفوضى، سواء كان ذلك نظاما سياسياً شاذا كطغمة «ولاية الفقيه» التي تحكم إيران، أو كان عملاء وأتباعاً مستقطبين كدشتي وأمثاله.
إن من المفترض أن يعبر منبر مجلس الأمة عن شعب الكويت الأصيل العريق في انتمائه إلى عروبته وأمته، ولا يمكن بحال أن يعتلي هذا المنبر المحترم من يعبر بافتخار وبفجاجة وحماقة مكشوفة عن انتمائه إلى دولة عدو كإيران؛ بل يتمادى فيدعو إلى تمكينها وتهيئة السبل لهيمنتها ومعاداة من يعاديها والوقوف في وجه من يقف أمام خططها اللئيمة في المنطقة.
إن من يرتكب تلك الحماقات الفجة لا يمكن تصنيفه إلا بعبارة واحدة مختصرة؛ وهي «الخيانة الوطنية» وهو التفسير الوحيد الذي لا يمكن إلا أن يفسره به الدستور الكويتي وكل دساتير الدنيا، ولا جزاء لمن يقترف الخيانة الوطنية غير سحب الجنسية والطرد من المواقع الوظيفية والمحاسبة القانونية والجنائية.
ولو أن خيانة هذا الأحمق لم تكن باسم نائب في مجلس الأمة المحترم لما أعرناها اهتماماً ؛ فلا يضرنا نقيق الضفادع، وما أكثر زعانف البق النائمين من الأتباع والموالي المخذولين من الطابور الخامس؛ لكن المؤسف له والذي يستدعي سرعة المواجهة القانونية أنه يصدر ممن ينتسب إلى مجلس يفترض أنه يمثل الشعب الكويتي الأصيل أصدق تمثيل.