الحمد لله وبعد: فإن العاقل المتأمل لو رجع إلى بداية تكوين الدولة السعودية لوجدها في قرية صغيرة (الدرعية) ويعصف بها بهذه البيئة الكثير من الخلافات والتهديد الخارجي وحولها الكثير من الإمارات القوية التي تفوقها عددا وعدة، ثم أتى أحد العلماء إلى أمير هذه القرية الأمير محمد بن سعود واتفقا على إقامة الدين الإسلامي فكونا خلال سنوات قليلة من هذه القرية دولة قوية غيرت مجرى التاريخ وأقامت الدين الحق وحسبت لها دول العالم ألف حساب بعد أن كانت لاشي وذلك بفضل الله ثم تعاون قادة هذه الدولة المباركة مع العلماء العاملين، واستمرت على هذا طوال فترة الدولة السعودية الأولى والثانية فكان العلماء هم الوزراء والمستشارين والسفراء والعقل المفكر والمنظر للدولة يؤخذ بمشورتهم في ما فيه مصالح البلاد والعباد مع ما يتحلى به العلماء من الإخلاص والإصلاح والزهد ورجاحة العقل فخدموا دينهم وبلادهم وولاة أمرهم في ما فيه مصلحة العباد والبلاد.
ثم لما أتى الملك عبدالعزيز لاسترداد ملك آبائه وأجداده وليس معه إلا أربعين رجلا بإمكانياته المتواضعة استعان بالله ثم بالعلماء في تأسيس هذه الدولة فلبوا ندائه ونصروه بعقولهم وأموالهم ودمائهم كسائر شرائح المجتمع، فكان من أعمالهم المميزة تحت توجيه الملك عبدالعزيز أن أرسلوا طلابهم إلى البلدان والقبائل دعاة ومعلمين بوجوب طاعة ولي الأمر الإمام عبدالعزيز، فوفدت عليه القبائل مبايعين ومنضمين تحت لواء التوحيد.
ثم أنشأ الملك عبدالعزيز دار التوحيد ونواة جامعة الإمام فخرجت الكثير من العلماء الذين خدموا دينهم ووطنهم وولاة أمرهم، وعند وفاة الملك عبدالعزيز أوصى ولي عهده الملك سعود بوصية مهمة وكان مما قال فيها: وأوصيك بالعلماء خيرا، فإنهم مثل النجوم زينة للسماء وعلامات يهتدى بها ورجوما للشياطين، ومعنى ذلك أنهم زينة مجلسك ومملكتك ومستشاريك المخلصين والموجهين على الخير، وهم الذين يردون على افتراءات شياطين الأنس الذين يريدون أن يشوهوا من سمعتك وبلدك ودينك في الإعلام وغيره.
وسار على هذا النهج أبناء الملك المؤسس كلهم، فلما أتى الملك الصالح سلمان بن عبدالعزيز أعز الله به الدين ورفع راية الجهاد وقاد العالم الإسلامي إلى العز والخير، وصدقت فراسة الملك عبدالعزيز حيث قال: إن وفق الله أولادي كما وفقني فسوق يقودون العالم الإسلامي.
فأصبحت المملكة في عهد الملك سلمان دولة قوية مهابة الجانب وجعل العلماء في المكلان اللائق بهم.
وصدق الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حين قال ( يبعث الله على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها.
- د. محمد بن ناصر الشثري