يثار بين الفينة والأخرى نقاش حول مسمى الخليج العربي بالخليج الفارسي وأن هذا الاسم معروف من مئات السنين، وأنه الخليج الفارسي لا الخليج العربي، علماً بأن هذه التسمية عرفت قريباً حينما استحل الفرس الخليج قبل عدة قرون، لكن ما يجعلك تتعجب هو تبني هذا الاسم من قبل أبناء العرب أنفسهم، وهم لا يدركون خطورة الأمر بالنسبة للعرب وخاصة أهل الخليج، ولعدم معرفتهم حقيقة أنه كان يعرف بهذا الاسم قبل الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وإليك أخي القارئ ما ذكرته المصادر التاريخية حول تسمية الخليج بالخليج العربي فقد سماه الرومان بالخليج العربي حيث قال المؤرخ الروماني بليني بلينيوس الأصغر في القرن الأول للميلاد، حيث قال بليني خاراكس المحمرة مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي.
تسمية الخليج العربي بهذا الاسم قديمة جدا ًوأكثر ما أضر بالعرب مؤرخو العرب أنفسهم وحول أصالة عروبة الخليج وأسمائه منذ أقدم العصور، ذكر الباحث والمؤرخ الدكتور: عماد محمد ذياب الحفيّظ في مقال منشور له حين قال: إن الخليج العربي أطلق عليه مسميات مختلقة منذ أقدم العصور التاريخية، حيث كان يطلق على الخليج العربي اسم «بحر أرض الإله ولغاية الألف الثالث قبل الميلاد (1)، ثم أصبح اسم الخليج العربي بحر الشروق الكبير حتى الألف الثاني قبل الميلاد (2)، وسمي بحر بلاد الكلدان خلال النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد (3) والكلدان أقوام سامية عربية الأصول وقد كانت لهم دولة في بلاد الرافدين، ثم أصبح اسمه بحر الجنوب خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد (4) على الرغم من وصول المجموعات الرعوية الفارسية إلى المنطقة، وإن جميع الفترات التاريخية الأنفة الذكر لم يكن هنالك وجود لغير العرب، حيث وصل الفرس وقد كانوا مجموعات رعوية بعد سقوط الدولة العيلامية خلال القرن السادس قبل الميلاد والتي كان سكانها قبل سقوطها على يد «نبوخذ نصر البابلي من الساميين»، وعلى الرغم من ذلك بقي اسم الخليج الخليج العربي بعد ذلك وعلى مدى القرون.
لو لاحظنا هذه التسميات فسنجدها جميعها وبلا استثناء تسميات عربية الأصل، وقد أطلقت جزماً من قبل سكان الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية لأن جميع المسميات نسبت إلى أرض الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية.
وذكر إيراتوستينس الإغريقي (276 قبل الميلاد - 194 قبل الميلاد)، وسترابون الإغريقي (القرن الأول قبل الميلاد): أن مياه الخليج العربي لم تكن عميقة ويستشهد على حد قوله بنمو أشجار تشبه الغار والزيتون قبالة مدينة مكان (سلطنة عمان حالياً) وقبالة مدينة ملوخا (دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً).
وتأكّدت تسمية الخليج العربي عند الرومان والإغريق كما هو الحال عند غيرهم كما تشير المصادر وهو (ساينوس أرابيكوس) تحديداً على لسان سترابون الإغريقي (58 قبل الميلاد - 23 ميلادية) وهو في ذلك يستشهد بأقوال مؤرخين إغريق آخرين يعود تأريخهم إلى قبل القرن الثالث قبل الميلاد ومنهم إيراتوستينس الإغريقي، أن هذه التسمية كانت سائدة قبل الميلاد بعدة قرون قبل ميلاد نبي الله عيسى (عليه السلام) وغيرها من المسمّيات العربية التي أطلقت من قبل العرب والمؤرخين الأجانب قديماً على الخليج العربي كما أسلفنا.
وفي خريطة فرنسية قديمة (1667م) يظهر فيها بوضوح إشارتها إلى الخليج العربي بأنه Sein Arabique، أي «الخليج العربي». كما ظهر اسم البحر الأحمر على أنه Mer Rouge «البحر الأحمر».
وظلت هذه التسمية معروفة قبل الإسلام واستمرّت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية وما جاورها من مدن وبلدات في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها من أرض المعمورة، بل وظلت حتى بعد ظهور الدولة العباسية، حيث أصبحت تسمية الخليج العربي باسم خليج العراق (5)، وهذا يعود إلى أن الدولة العباسية كانت عاصمتها بغداد في العراق، والخليج العربي جزء من الدولة في ذلك الوقت فجاءت التسمية الأخيرة بتلك الصيغة ومع ذلك فهي تسمية عربية أيضا.
وهذا ما جعل المسميات العربية التي أطلقت على هذا الخليج العربي ظلت مستخدمة على مدى آلاف السنين المتعاقبة وحتى وقتنا الحالي، وكذلك في أيام الدولة العثمانية كان يعرف باسم «ساحل العراق»، وكذلك أطلق عليه اسم (خليج البصرة) حيث كان العراق أيام العثمانيين يتكون من ثلاث ولايات هي بغداد في الوسط والموصل في الشمال والبصرة في الجنوب، وهذه الولاية الأخيرة كانت تضم ضمن حدودها الإدارية بلدات عربية مختلفة عند الجانب الشرقي من الخليج العربي وصولاً إلى المنطقة التي كانت تعرف باسم فم الخليج العربي (مضيق هرمز حالياً)، لذا نجد أن ساحل الخليج العربي بضفتيه الشرقية والغربية كانت كان سكانه من القبائل العربية، لذلك فإن منطقة الخليج ظلّت ذا طابع عربي وهذا الطابع ظل متوافقاً مع ما قال عنه المؤرخ الأوروبي سترابون الإغريقي في تسمية الخليج العربي منذ ما قبل الميلاد وبعد الميلاد بل وحتى فجر الإسلام فلم نجد في المصادر التاريخية أن الدولة الساسانية قد أطلقت اسماً آخر على الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية على الرغم من أنها كانت تحتل مواقع واسعة من هذه المنطقة ولعشرات السنين.
في عام 1925 ميلادية تمكن رضا خان وبمساعدة الإنكليز من الوصول إلى السلطة ثم احتلال إمارة المحمرة وبلاد الأحواز العربية في جنوب وجنوب غرب بلاد عجمستان وهذا هو الاسم المتعارف عليه حينها، لذلك نجد رضا خان يوصي إبنه الشاه محمد رضا بأنه استطاع (أي الأب) احتلال الجانب الشرقي من الخليج العربي وعلى ابنه احتلال الجزء الغربي من الخليج العربي، وهذا الأمر فعلاً كان من أولويات شاه إيران محمد رضا بهلوي فهو أول من أطلق تسمية الخليج الفارسي بدل تسمية الخليج العربي، إلا أنه فشل في مؤمراته تلك حتى سقوط حكمه ليأتي من بعده آخرون انتهجوا ذات السياسة في تسمية الخليج العربي، وهذا الموضوع بات معروفاً لدى الكثيرين من المعنيين والمتخصّصين والمثقفين العرب والمسلمين.
لذا أقول إن الخليج بضفتيه الشرقيه التي احتلها الفرس وكذلك ضفته الغربية سكانه من القبائل العربية والاستيطان العربي في ضفتي الخليج العربي قديم حتى من قبل الإسلام ودعوى الفرس أن الخليج لهم هو محاوله للاستيلاء على دول الخليج العربية بحجه أن الخليج لهم وليس من الصالح ينسب الخليج لهم شعب الفرس حدودهم الطبيعة جبال زاجروس وما كان غرب عن هذه الجبال هو موطن استيطان القبائل العربية.
** ** **
1 - Breasted- page284، وكتاب الخليج العربي بحر الأساطير قدري قلعجي، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر - الطبعة الأولى، بيروت 1992م ص 7-8.
2 - Luckenbill,D.D.1924.The Annals of Sennacherib. Chicago page 35 and 38. وليات سنحاريب. شيكاغو صفحة 35 و38، والأوضاع السياسية لإمارات الخليج العربي وجنوب الجزيرة، تأليف د. سيد نوفل ص 39-45.
3 - Winckler,H.1889.DieKeilschrittexteSargons.Leipzig,p. 37.
4 - King , L.W.1907.Chronicles of Early Babylonian kings. London , vol.11, page131.
5 - 11.Minorsky v. and Al-Alam,H.1937.The regions of the world,A Parsion geography.London ,page 52.
- نايف بن عوض الوسمي