العميد د. أيوب بن حجاب بن نحيت ">
يقصد بتفويض الصلاحيات: نقل الرئيس الإداري بعضاً من اختصاصاته وسلطاته الإدارية التي تدخل ضمن مهام وظيفته التي يشغلها إلى بعض مرؤوسيه ليمارسوها دون الرجوع إليه مع بقاء مسئوليته على تلك الاختصاصات المفوضة، ونلاحظ هنا أن التفويض لا يكون إلا جزئياً، كما أن التفويض لا يشمل تفويض المسئولية؛ بمعنى بقاء المسئولية كاملة على الرئيس المفوض.
وفي تقديري بأن تفويض السلطة والصلاحية دون تفويض المسئولية أدى إلى فشل نظرية التفويض التي مارسها المديرون، لأنهم لم يكونوا واثقين بمن يفوضهم، فبقيت الأعمال الإدارية أسيرة النظام الإداري المركزي الشديد، لذلك حلّ أسلوب «التمكين» كأسلوب إداري متطور يتجاوز حدود تفويض الصلاحيات ويقصد به «الأسلوب الإداري الذي يرتكز على زيادة الاهتمام بالعاملين من خلال توسيع دائرة صلاحياتهم ومسئولياتهم وتنمية معارفهم وتطوير مهاراتهم وقدراتهم الفردية وتزويدهم بالمعلومات اللازمة بما من شأنه دفعهم إلى المبادرة والمشاركة باتخاذ القرارات بفاعلية وتحرير طاقاتهم الإبداعية.
هذا هو جوهر مفهوم التمكين الذي يهدف إلى فك قيود العاملين، وإعتاقهم وتحريرهم من الإجراءات البيروقراطية النمطية والرقابة المشددة إلى منح الصلاحيات وعمل المزيد من المسئوليات، بما من شأنه إطلاق قدراتهم وقواهم المعرفية الكامنة نحو التجديد والإبداع، فالمعرفة الضمنية تكمن في عقول البشر، وإذا لم يتم شحذ الأفكار وطرحها باقتدار فلن يكون هناك ابتكار، وهذه أهم فوائد تنفيذ أسلوب تمكين العاملين، حيث يهدف إلى تحويل المعرفة الضمنية للعاملين إلى معرفة عملياتية ونظمية داخل المنظمة التي يعملون بها، بما من شأنه زيادة فاعليتها وتطوير أدائها.
من هنا جاءت نظرية التمكين (Empowerment) لتحل محل نظرية التفويض بمساعدة التعلم التنظيمي، بمعنى أن المنظمة يجب أن تبنى قواها في إدارة المعرفة ومقوماتها للوصول بنجاح إلى التغيير والتجديد المنشود لكي تحقق استدامتها، كما أن إرساء ثقافة تنظيمية تقوم على احترام الإنسان الفرد، وتثق بقدراته وأهمية دوره بالمشاركة والمبادرة والتي لا تتحقق إلا بالتعليم والتمكين للعاملين للانتقال بهم إلى الالتزام الذاتي بدلاً من الرقابة، وإحلال الفريق المشارك بدلاً من الفردية كوسيلة تعليمية وتمكينية، بالإضافة لإحلال القائد محل المدير، والتعامل مع التدريب التمكيني هذا كاستثمار بدلاً من كونه تكلفة.
فالتعلم التنظيمي يهدف إلى أن تصبح المنظمة نفسها متمكنة في التقاط المعرفة من العاملين بها، خاصة تلك المعرفة الكامنة ضمنياً بعقول العاملين.
الجدير بالذكر أن قيمنا الإسلامية مفعمة بالمطالبة والتشجيع على تنفيذ مفهوم التمكين فقد جاء من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».
وكذلك: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» وفي هذه الأوامر دعوة مباشرة للتمكين والتمكن والمسئولية في ذلك. كما يجب أن ننوّه بأن للتمكين مقومات يلزم توافرها وأهمها: العلم والمهارة، القائد الممكن، الثقة المتبادلة بين الإدارة والعاملين، جودة الاتصالات، البرامج التدريبية الملائمة، ثقافة التمكين والتوسع في منح الصلاحيات والمسؤوليات.
وإذا ما تحققت هذه المقومات فإن التمكين يحقق دوره المتمثّل في إعداد موارد بشرية قادرة على مواجهة المشكلات والأزمات وإدارتها باقتدار حتى في غياب المسئولين، لأن العاملين في المنظمات هم ثروتها الحقيقية التي يجب توجيهها لصالح العمل، وذلك عندما يتم منحهم مسئوليات أكبر وتمكينهم من اكتساب إحساس أكبر بالإنجاز في أعمالهم وبالتالي ثقتهم الذاتية بأنفسهم، وبالتالي يكونون قادرين على تطوير إستراتيجيات تقوم على استشراف المستقبل المتوقّع والتنبؤ بملامحه ووضع الخطط على هذا الأساس.
كما أن كل ذلك سيؤدي بإذن الله تعالى إلى خلق بيئة التعلّم التنظيمي التي تنطلق من الرؤية الثاقبة نحو إعادة البناء، والهيكلة التنظيمية كما يراها العاملون أنفسهم، من خلال إشراك العاملين في إعداد وصياغة وتنفيذ رؤى ومستقبل منظماتهم، بما من شأنه تحقيق التكامل المطلوب بين أهدافهم الشخصية وأهداف المنظمة، وبالتالي تحمّل المزيد من المسئوليات لأنهم هم في الأساس من وضع الأهداف والخطط وسيسعون جاهدين إلى تحقيقها بفاعلية وكفاءة.
وفي تقديري أن حاجة المنظمات الأمنية والعسكرية إلى تنفيذ أسلوب تمكين العاملين أكبر من غيرها وذلك لأن بيئة العمل في المنظمات الأمنية والعسكرية بيئة ديناميكية ذات أزمات محتملة، فطبيعة عمل هذه المنظمات تستدعي تمكين منسوبيها لمواجهة الأزمات والكوارث الأمنية المفاجئة - لا قدر الله - خاصة في ضوء المتغيّرات والمستجدات المعاصرة التي أوجدت تحديات يصعب مواجهتها في ضوء أساليب العمل التقليدية، فالتمكين له دور فاعل في البيئة التنظيمية لهذه المنظمات، وما يمكن أن تحمله منذ البداية ومتابعتها وإدارتها.
هنا تكمن أهمية إفساح المجال أمام العاملين في هذه المنظمات، وتمكينهم من التعامل مع ما يستجد من هذه المتغيّرات حسب متطلبات الموقف، ولكن بعد أن يتم تأهيلهم علمياً وتدريبهم عملياً، وتنمية مهاراتهم وتطوير قدراتهم ومعارفهم، وذلك إيماناً بالأهمية الإستراتيجية للعاملين، خاصة ممن يمثّلون الخطوط الأولى في هذه المنظمات، لاحتكاكهم المباشر والمؤثّر بالمتغيِّرات البيئية العملية المتسارعة، وهذا يعمّق أهمية منحهم كل الصلاحيات والمسئوليات والمعلومات التي تمكنهم من اتخاذ القرار السليم والتعامل مع المواقف الاستثنائية بثقة، ومهارة واحترافية وموضوعية.