هذا هو السؤال الذي شاع بين السعوديين على إثر امتناع وزير خارجية لبنان شجب اعتداء إيران على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، ولا أعتقد أن أغلبية الشعب اللبناني من اللئام، بل أعتقد بأن الأغلبية هم من الكرام، ولكن الموضوع يتطلب اتساعاً في فهم علاقات الدول ببعضها وما تلعبه المعونات الخارجية في سياسات الدول.
إن النظر إلى لبنان كدولة طبيعية هو من الخطأ بحيث لا يمكن أن نقوم بتقويم علاقاتها مع الآخرين، فهذه الدولة تحكم من قبل ميليشيا لها كل الصلاحيات التي للدولة، وليس عليها أي من واجبات الدولة، وهي بذلك ذراع لإيران التي هي سبب وجودها واستمرارها، ولا يمكن في هذه الحال أن يلزم أحد أياً من المسؤولين فيها بما يتحتم عليه من واجبات.
فبالنسبة للمعونات الخارجية فهي في الأحوال الطبيعية تكون أداة للسياسة الخارجية، فبدلاً من إعطاء المال لأي من المسؤولين في الدولة المعانة يجب أن تسأل الدولة المعينة ما هي الأغراض التي سوف تصرف فيها هذه الأموال؟.. وبعد ذلك يوكل إلى شركة سعودية ما يراد إنشاؤه، وبعد ذلك تسلم هذه المنشأة إلى رئيس الحكومة المعنية وليس إلى غيره.
هذا هو الأسلوب الطبيعي الذي يجب أن يتم به مد يد المعونة للدول الأخرى حتى يرى الشعب المعني ما تقوم به الدولة المساعدة في إعانة بلده، فلا يمكن أن نحكم على تصرف الحكومة اللبنانية الحالي على ما سلف من أحداث بطريقة الاسترجاع، ولكن في مستقبل الأيام يجب أن يكون هذا الأسلوب هو الأمثل للانتفاع بالمعونات الخارجية في تحقيق أهداف السياسة السعودية.
يؤسفني أن أصف لبنان في الوقت الحاضر بأنها دولة فاشلة، ولكن هذا هو الواقع المر رغم الزهو اللبناني التقليدي بأنهم الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي، وليس في لبنان ديمقراطية بل إقطاعية، والتي انتهت في العالم كله إلا في لبنان تلك الإقطاعية هي التي تجعل النواب الإقطاعيين مستمرين في تمثيلهم لرعيتهم حتى الوفاة، وبهذا المعنى فإن الانتخابات المتكررة ما هي إلا مقايضات بين الفرق لتبادل المنافع، وعلى ذلك فهم غير ملتزمنين بأي واجب تجاه منتخبيهم، وتبعاً لهذا فينبعي على الدول التي تتعامل مع لبنان أن تتقي الضرر الذي يحدثه الآخرون باستعمالها كأداة لهم، ولا يمكن أن تحل مسألة لبنان إلا بحل المشكلة السورية وتطبيق نظام جديد بين الدول العربية يخالف ما ورثته اتفاقية سايكس بيكو في التركة العثمانية التي استولت عليها بريطانيا وفرنسا بحدودها المصطنعة وتجاهلها للانسجام السكاني.
ومعروف في علم السياسة أنه إذا ثبتت الحاجة إلى التعايش السلمي بين الدول فلابد أن تكون هناك آلية لهذا التعايش، وهذا هو التمهيد الأول لتحقيق التعايش السلمي، وهذا يكون بعد تحقيق الأهداف السابقة.
أخيراً، على العرب أن يجربوا المنهج السعودي في التعامل مع الأحداث وهو استنفاد جميع الطرق الممكنة لحل المشاكل سلمياً حتى لا يكون هناك بديل، وعندئذ يكون الإقدام على ما لابد منه، وهذا ما أثبتت الأيام بأنه الطريق الصحيح.
بقلم: بندر بن عبدالله بن عبدالرحمن آل سعود