في المؤتمر والمعرض الدولي الرابع للحفاظ على التراث العمراني المنعقد بشهر فبراير الجاري والذي نظمته بلدية دبي، كان المتحدث الرئيس صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، يأتي ذلك تقديراً لسموه كشخصية مؤثرة في حقل التراث العالمي، وإيماناً كبيراً بالتجربة السعودية المحتذاة في هذا المجال. حيث تحدث سموه عن سيرة التراث العمراني الوطني في المملكة من خلال رحلة تحدٍ طويلة وشاقة، خاض غمارها مع فريق عمله وشركائهم المعنيين وسط متغيرات معقدة ومتنوعة، استطاعوا خلالها إحداث تحول نوعي في ثقافة التعامل مع مواقع التراث العمراني كقيمة حضارية تعزز علاقة الإنسان بوطنه ومجتمعه.
في فترة الاستراحة التي عقبت الجلسة الافتتاحية كان الحديث مع عدد من الإعلاميين والمتخصصين يدور حول فحوى الرسائل التي حملتها كلمة الأمير سلطان بن سلمان وعن التجربة السعودية في المحافظة على التراث العمراني وتنميته وظروف مواجهة ذلك التحدي أمام آلاف المواقع التراثية المنتشرة على مساحات المملكة الشاسعة والمتباعدة وذات الخصائص العمرانية والمعمارية والطبوغرافية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة رغم محدودية الإمكانات والموازنات المعتمدة لقطاع التراث العمراني، كانت تساؤلات كبيرة وكثيرة بحجم الاحتفاء بهذا التحول وكيف حدث في فترة زمنية وجيزة نسبة للعمر الافتراضي لنشأة هذه المواقع.
عدد من الزملاء في بلدية دبي نقلوا لنا ما تمثّله لهم إشادة الأمير سلطان بن سلمان في كلمته بالجهود التي تقوم بها حكومة دبي لتسجيل خور دبي على قائمة التراث العالمي من تحفيز معنوي كبير بالنسبة لهم وفريق عملهم، وكذلك إعجابهم بما أورده سموه في التصريح الإعلامي بعد المؤتمر من «أن التراث الوطني جزء من التجربة الإنسانية، فكيف تنمو المدن دون تعزيز هذا البعد الإنساني».
وأبدوا فخرهم واعتزازهم بدعوة سموه لدولة الإمارات العربية المتحدة كضيف شرف لملتقى التراث العمراني السادس بالعاصمة الرياض.
الرأي العام في دبي كان منصفاً ومحفزاً ومستوعباً لعمق التجربة السعودية في مجال التراث العمراني الوطني وتأثيرها على تجارب العديد من الدول، فجميع ورش العمل والجلسات العلمية والمتحدثين والمشاركين والإعلاميين لم تخلو مداخلاتهم من الاستشهاد بهذه التجربة الثرية مقدرين الجهود التي بذلتها هيئة السياحة والتراث الوطني وشركاؤها في النهوض بهذا القطاع المهم والمؤثر على مستوى التنمية العمرانية والقطاعية ومستقبل استدامة المدن مقارنة بالتحديات التي واجهتها والظروف التي أحاطت بها.
إنه من المحزن أن يأتي هذا الإنصاف للتجربة السعودية من خارج الأروقة الإعلامية المحلية والتي ما زال «البعض» من مسيري الرأي فيها بعيدين عن صورتها الحقيقية، والتي تتجسّد في منجزات لا يمكن لراصد حذق تجاهلها، فما زال هناك دور تحفيزي منتظر من الإعلام كأحد أهم الأدوات الفاعلة في تأصيل مبادئ المحافظة على التراث العمراني لدى كافة أفراد وشرائح المجتمع المحلي، لقد بات من الأهمية أن يضطلع الإعلام المحلي في المملكة بمسئولية قيادة التحول التوعوي نحو تعزيز ثقافة مجتمعية قادرة على المشاركة بفاعلية أكبر.
إن المرحلة القادمة تحتم علينا جميعاً استخدام لغة إعلامية جديدة أكثر «تفاعلاً «و»إيجابية» و»تحفيزاً»، والاستفادة المثلى من خدمة كتّاب الرأي العام والنوافذ الإعلامية الأخرى التي أطلقتها هيئة السياحة والتراث الوطني بهدف تقديم المعلومة الصحيحة والمباشرة في كل ما يتعلق بالسياحة والتراث الوطني، حيث تبرهن الهيئة من خلالها على إيمانها التام بأن الإعلام ومسيريه الشريك الرئيس في بناء عمل مؤسسي منظم ومتخصص ومحترف، لاستعادة الفرص الضائعة في مسيرة تراثنا الوطني، يقول بيتر دراكر: «إن أفضل طريقة لتوقع المستقبل هي المشاركة في بنائه».
المهندس بدر بن ناصر الحمدان - متخصص في التخطيط والتصميم العمراني وإدارة المدن