محمد الحماد ">
منذ أن خلق الله تعالى الإنسان في هذا الكون، سعى بفطرته السوية للتّعاون مع أخيه الإنسان لاستثمار خيرات ونعم الله في الأرض وتطويعها خدمة للبشريّة قاطبة، لذلك كان تسخير النّاس بعضها لبعض من أجل تسيير عجلة الحياة وسفينتها التي تمخر وسط أمواج من الصّعاب والتّحديات بكلّ قوّةٍ وعزيمة؛ وقد جاء قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} قولا فصلا، ليؤكد سبحانه وتعالى على أن تكامل الأهداف وتحقيقها لا يتم إلا باجتماع الجماعة، والذي فيه توزع الأدوار ليحصد الجميع الخير والمنفعة. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : «يد الله تعالى مع الجماعة»، ويد الله هنا هي البركة والتوفيق والخير الوفير. فالإنسان وحده لا يعطي شيئًا وإن امتلك أسباب القوّة، فالعمل الجماعي يزرع روح المثابرة والاجتهاد والمنافسة بين النّاس، لتحقيق أهداف نبيلة في إطار التّعاون والتّكافل والأخوّة الإنسانيّة.
ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، إنّما يأكل الذّئب من الغنم القاصية البعيدة والمتفرغة عن بعضها البعض، مما يعني أن العمل الجماعي حماية للفرد والمجتمع، والذي به تحقّق الأهداف وتختصر المسافات ويوفر الوقت والجهد. فعندما ترى الأفراد يعملون مجتمعين تراهم أقدر على تحقيق أهدافهم، كما أنّهم يوفّرون على أنفسهم وقتًا وجهدًا كانوا سيتكبّدونه لو عملوا فرادى متفرّقين.
والواقع، أن العمل الجماعي يكسب القائمين به مهارات اجتماعيّة من خلال تفاعلهم مع النّاس، والذين خاضوا تلك التجربة بلا شك وقفوا على قيمة العمل الجماعي وفوائده، أولها أنه مبارك من الله تعالى، و أركانه تكتمل بسرعة دون أخطاء تذكر، ذلك لأن الجماعة تعني الشورى والمراجعة والتمحيص، مما يعني أنه لا يمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه، لأنه وعاء جامع ووسيلة كبرى للتعارف والتآلف وتبادل الخبرات و تنمية المهارات الاجتماعيّة وروح العمل ضمن ذلك الفريق الواحد؛ حيث يتبادل الجميع المعرفة بمشاعر المحبّة والأخوّة.
إن الدولة ممثلة في أعلى قيادتها «حفظها لله» ترعى العمل الجماعي وتحرص عليه وتدعمه باستمرار، وهنا نذكر الدعم السخي للجميعات التعاونية من قبل لدن سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «أيده الله» والتي منها في الأسابيع الماضية المكرمة الملكية التي قدمها «حفظه الله» للجمعيات التعاونية بتخفيض سعر الكهرباء للشريحة العليا من 24 هللة للكيلو واط الواحد إلى 16 هللة.
إن هذا الدعم ليؤكد على إيمان الملك سلمان - أيده الله - بأهمية العمل التعاوني وجوده في جسد الدولة صحيحا معافى، ليعينها على رعاية الأسرة الفقيرة من محدودي الدخل، إلى جانب الشرائح الأخرى، مما سينعكس إيجابا على مستوى الخدمات التي ستقدمها الجمعيات التعاونية للمواطنيين، من خلال زيادة الإنتاج وتحسين مستوى العمل والمعيشة و تقديم الخدمات الضرورية لهم في مناطقهم وتأهيلهم وتدريبهم بما يحقق أهداف التعاون، وغرس وتنمية حب المساعدة المتبادلة بين الجميع وفق منهج علمي متطور، يمكن من خلالها أن يساهم مساهمة فعالة في تطوير التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن، وتنمية الخبرات والمهارات الفنية والتنظيمية للجمعيات التعاونية وأعضائها، لتتمكن من التوسع في هذا العمل التكافلي المهم بشكل كبير، و تفعيل دوره تفعيلا حقيقيا، لتكتسب الجمعيات القائمة؛ الخبرات فتتوسع في أنشطتها وتعمل على تطوير برامجها لتنمية المجتمع.
إن المجتمع الذي ترى أفراده مجتمعين متوّحدين لهو أكثر المجتمعات قدرة على العطاء والبذل و تجاوز نقاط الضّعف وسدّها، وكما قال الشّاعر: «تأبى العصي إذا اجتمعن تكسّرًا وإذا افترقن تكسّرت آحادًا».. فالإنسان لا يقوى على الحياة دون أن يعاونه النّاس ويقفوا معه؛ وكما يقول المثل العربي: «اليد الواحدة لا تصفّق».. لذا فإن الله أوجد لكل إنسان صفات ومميزات تختلف عن الآخر، مما يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يكمل الإنسان أخيه الإنسان، فالعمل الجماعي قوّة للفرد والمجتمع والوطن، وحائط صد وأمان وهيبةً في نفوس الأعداء والمتربّصين.
لقد أضحت الرعاية الملكية السامية للجمعيات التعاونية، واضحة ومميزة ولا تخطئها العين، فقد سبق أن قدم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - في بداية العام الماضي دعما سخيا ومباشرا لمجلس الجمعيات التعاونية، من خلال مكرمة ملكية بلغت «مائتي مليون» ريال وهي بلا شك كانت ذات أثر كبير في مسيرة تطورالجميعات التعاونية ومثلت دفعا حقيقياً لعجلة عملها، بالتوسع في أنشطتها، ونشر ثقافة العمل التعاوني في المجتمع ومفاصل الدولة، ليعمل الجميع على خدمة أنفسهم، ويساهموا في خدمة مجتمعاتهم، تحقيقا لأهداف العمل التعاوني والتي من بينها توفير المواد الاستهلاكية، ومشاريع الخدمات التي تساعد على تحسين وتطوير الأحوال المعيشية، والتغلب على مشكلة ارتفاع الأسعار، والحد من الغلاء المتزايد، وعمل توازن في السوق المحلية.
لقد أكد الدعم الذي يقدمه سيدي خادم الحرمين الشريفين «حفظه الله» للجمعيات التعاونية اهتمامه بشؤون المواطنين، واستشعاره لحاجاتهم الضرورية خاصة محدوي الدخل من الموظفين والمتقاعدين ومستفيدي الضمان الاجتماعي والمعاقين وغيرهم - كونهم الشريحة الأكثر تأثيرا بآثار المتغيرات الاقتصادية، وقد كان ذلك أول أهداف نظام الجمعيات التعاونية الذي صدر منذ أكثر من خمسة عقود، وهو العمل على إعانة تلك الشرائح من خلال تعزيز ثقافة العمل التعاوني في المجتمع، وغرس قيمه ومفاهيمه، مستعينين في ذلك بالمؤسسات الكبيرة، والشركات، والوزارات، والجامعات، ومراكز الأحياء للعمل على نشر هذه الثقافة وسط المنتسبين إليها، والعمل على تنظيم المجتمع وتشجيعه للانخراط في إحدى تلك الجمعيات التعاونية، ولذلك سيأتي عمل الجمعيات التعاونية في المرحلة المقبلة بأهداف وخطط عملية مدروسة لمواصلة ذلك االعمل الإستراتيجي الذي بدأ منذ أكثر من أربعة عقود، للوصول للأهداف المبتغاه في العمل التعاوني، حتى ينعم الجميع بخيراته وتنال بذلك رضا المستهلك، وتحوز على ثقتهم، وتسعى بعد ذلك مع مؤسسات أخرى من بينها وزارة الشؤون الاجتماعية، لتقديم مساهماتها في إطار العمل الخدمي الاجتماعي فتقدم للمواطنين معيناتها وخدماتها ووظائفها مواصلة للعمل وتحقيقا لآمال وطموحات الجميع.
- نائب الرئيس الفخري للجمعيات التعاونية