في هذه الأيام، وخاصة بعد مقابلة سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد مجلة الاكونومست الشهيرة ومن خلال همسها ولمزها وغمزها وهي عادة متأصلة في أسلوبها، بدأت الناس تظن وتتكلم وتكتب وكأن أرامكو للبيع أو المشاركة. ومما قد أضفى شيئا من المصداقية على هذا التفكير والظن إن أسعار البترول متدنية جدا وأن المملكة تواجه عجزا كبيرا في ميزانيتها. أي أن حكومة المملكة مضطرة للبحث عن مصادر مالية جديدة للوفاء بالتزاماتها وخاصة تنفيذ مشاريع التنمية. ونسي المنظرون إن احتياطيات المملكة المالية المتوفرة قادرة على تخفيف الضغوط المالية على الحكومة من هذا العجز إن وجدت الدبرة المالية الكفؤة وهي إن شاء الله موجودة. وللمعلومية فإن بيع جزء من أرامكو ومشاركة الغير في ملكيتها أتى في سياق حديث سمو الأمير عن التحول الوطني وخاصة الاقتصادي من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي لتنويع مصادر الدخل. أي إن السعودية ستمحص وتدقق في كل شيء بما فيه جوهرة التاج الاقتصادي السعودي أن تطلب التحول الوطني الاقتصادي ذلك .وكالعادة أطلت الطيور الجارحة تحوم لتنقض على أرامكو وغيرها من مؤسسات الدولة الاقتصادية مشهرة فائدة التخصيص وأنه البلسم الشافي لكل علل الاقتصاد. وخاصة كفاءة عمل السوق في اقتصاد حر. وللحقيقة فكفاءة أداء السوق في اقتصاد حر تعتمد على القوانين الصارمة المانعة للاحتكار في النشاطات الاقتصادية، وتشجيع المنافسة الحرة في تلك النشاطات، وإنشاء جمعيات حماية المستهلك وغيرها، وليس على صفة ملكية الأصل. وكم من أصول يملكها القطاع العام تؤدي عملها بكفاءة أعلى من تلك المملوكة للقطاع الخاص. ولنعلم إن نجاح عملية التخصيص في بلد ما ليس ضمان لنجاحها في بلد آخر يتمتع بصفات اقتصادية مختلفة. وحذار من تطبيق عملية التخصيص بدون المراجعة الدقيقة المتأنية، لأنه قد تقود إلى مجتمع يتصف بدرجة عالية من سوء توزيع خيرات البلاد وعندها لن يتحقق أنبل هدف للتنمية لأكثر الناس ألا وهو تحسين المستوى المعاشي للإنسان وصيانة كرامته، وعودة إلى أرامكو والحمد لله وبعد الضجة صرح رئيس مجلس إدارة أرامكو إن أرامكو الأم باحتياطاتها الهائلة وأصولها الأخرى ليست للبيع أو المشاركة لكن شركاتها الفرعية قد تفتح للاكتتاب.
والسؤال المنطقي هو لماذا من يملك أصلا ماديا يرغب في بيع جزء منه لمشاركة الغير وخاصة أنه يملك احتياطيات مالية كبيرة؟ الجواب إنه يبحث عن زيادة كفاءة عمل ذلك الأصل (أرامكو في هذه الحالة) في الإنتاج لزيادة العائد (الدخل). وهل أرامكو في حاجة لمثل هذه الخطوة.
أرامكو الأم في غنى عن كل هذا لأنها:
أولا: ليست في حاجة لشريك ليجلب لها المال لأن درجة ائتمانها عالية جدا وتستطيع أن تحصل على المال للاستثمار في توسعة نشاطاتها وإدارة شؤونها.
ثانيا: شاركنا في مشاريع سابك في الماضي لأن المملكة تفتقد آنذاك للخبرة وللقوى العاملة الوطنية المدربة. أما أرامكو القائمة منذ 1933 فهي من خيرة مصادر الخبرة والمعرفة في الاستكشاف والتنقيب عن البترول في العالم وأثبتت كفاءتها بأيادي سعودية مدربة تزيد على 60 ألف عامل سعودي بإنتاج البترول بأرخص تكلفة في العالم (يذكر أحيانا أنها بعد الكويت فقط) ليس لأن احتياطاتها هائلة وقريبة للاستخراج فقط، لكن لأنها بنت هذه الثروة الحقيقية الكفؤة من أبناء الوطن القادرة على التكيف لخبرتها الطويلة واستمراريتها في التعليم والتدريب من أجل إنتاج البترول بأقل التكاليف. إذن لا فائدة ترجى مادية أو غير مادية من مشاركة الغير في ملكية أرامكو الأم ولنتركها تدير نشاطاتها وهي الخبيرة في ذلك مع المراقبة والتدقيق الدائم مهنيا.
ودعائي أن تبقى جوهرة الاقتصاد السعودي - أرامكو الأم - ملكا للدولة السعودية خلاقة ومتطورة كعادتها لنشر خيراتها المباشرة وغير المباشرة (مضاعف الدخل) لرفاهية الوطن والموطن.
د. فيصل بن صفوق البشير المرشد