ناصر السهلي ">
عندما تتعرض أو عزيز لديك -لا سمح الله- لحادث حريق، وبلطف الله تم إنقاذ أحدهم تجد نفسك على قيد الحياة أو يكتب لك عمر جديد كما يقال.
المنقذ المتطوع ربما تعرض لإصابات أو ربما توفي مكانه، أعتقد أنه جميل لن تنساه طيلة حياتك لشخص منحك الحياة ومات، تماماً إنه قمة العطاء مثل أولئك الذين يضخون دماءهم في عروق المرضى المنومين والمحتاجين لها، حياتهم أسعد عندما يرون دماءهم تروي حياة الآخرين، إنها قمة النبل والعطاء والشهامة والمروءة، قمة العطاء الذي لا يضاهيه عطاء مهما بلغ فلك الأرقام المالية.
في مجتمعنا السعودي (المسلم) تزداد هذه الفئة المتطوعة في مجال الإنقاذ وتكون حاضرة في المشهد الاجتماعي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام شاهدناهم في أحداث متفرقة، والبطل (المنقذ) ليس له هوية أو جنسية أو عمر محدد، مما يؤكد أن منبعها ودافعها ديني واجتماعي بالدرجة الأولى.
في غرق سيول جدة 2011 منح الشهيد الباكستاني فرمان وسام الملك عبدالعزيز وسميت أحد الشوارع باسمه، وفتاة هندية تشكر مواطناً (ستينياً) أنقذ حياتها في سيول الرياض 2015، ومعلم ثلاثيني ينقذ حياة 5 معلمات من الموت بعد أن اشتعلت النيران في سيارتهم بعقلة الصقور نهاية العام 2015، وأمير جازان يكشف أنه تم الرفع للمقام السامي لتكريم مقيم مصري ضمن مجموعة مكرمين لقي حتفه بعد إنقاذه 10 أنفس في حريق مستشفى جازان.
مسلسل هذه الحوادث سيستمر كون الحياة مستمرة، ولن تقف عند حد معين، كونها مواقف نابعها هو الدين والقيم والمبادئ والنخوة، والمروءة والشهامة التي يحتمها الموقف، وهي حوادث أو كوارث طبيعية تحدث في كل بلدان العالم المتقدم منه والمتأخر.
ونحن في هذا البلد المعطاء.. قيادة وشعباً نولي اهتماماً خاصاً بهذه الفئة فيكرمون على مستوى القيادة والمسؤولين وعلى مستوى عامة أفراد المجتمع تكريماً يليق بنبل صنيعهم، ورغم أنه يصل إلى اعتماد مكافآت مالية مجزية وأوسمة تقديرية من الدولة رعاها الله لهولاء.. إلا أن الأمر في النهاية يعتمد على تقدير الجهة التي ينتمي لها الشخص أو بادرت في رفع طلب التكريم، مما يشير إلى أن ثمة أبطال لم تكرمهم تلك الجهات لولا تداولها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إذن نحن أمام عمل رائع لكنه غير منظم، لكن الأمر لا يبدو كذلك إذا ما عرفنا أن المملكة ومنذ وقت مبكر نجحت في تنظيم العمل المؤسسي الخيري ليصبح رافداً للعمل التطوعي عبر جمعيات ولجان مؤسسية باعتبار العمل التطوعي رافداً من روافد التنمية الاجتماعية تدعمه وتشجعه وتنظمه حتى يحقق أهدافه ومن أبرزها تنمية الشعور بالواجب لدى المواطنين، ومساعدة المتطوعين على تحقيق واجب ديني واجتماعي وإنساني، وتحقيق التعاون بين الدولة والمواطنين لرعاية الفئات المحتاجة بالمجتمع.
وتظل مساحة التكريم تتسع للكثير والكثير من هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل أن يعيش هذا الإنسان على هذه البسيطة، لكن مساحة الرعاية والاحتضان والتطوير تضيق أمام هؤلاء الأبطال وهو ما يتطلب إكساب القائمين على مؤسسات العمل التطوعي والخيري مهارات جديدة في إدارة وتنظيم العمل التطوعي من خلال الممارسة الفعلية والمرور بتجارب متنوعة واكتساب المهارة ورسم خطط العمل والإشراف على التنفيذ، وتحويل هذه المراكز إلى حاضنات تطوعية يرأسها ويشغل عضويتها هولاء الأبطال مما يسهم في تماسك المجتمع وترابطه، هذه الحاضنات لو قدر المعنيون في الشؤون الاجتماعية إنشاءها على غرار الحاضنات التقنية التي تحتوي ابتكارات المعرفة وانتشرت في مدن وحافظات مملكتنا الحبيبة، لأصبح أعضاؤها أكثر دراية وممارسة بأساليب وطرق الإنقاذ والتضحية، والخروج بأقل الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية وحوادث الحريق والسير، وذلك بطرق إنقاذ علمية مبتكرة.