أحمد يونس شاهين ">
منذ فترة ليست بعيدة نشهد حراكاً فرنسياً سياسياً تجاه القضية الفلسطينية وصل إلى حد التهديد -إن صح التعبير-، إما بقبول إسرائيل بالمبادرة الفرنسية أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتأتي المبادرة الفرنسية في خمسة بنود وهي «مبادئ لحل الصراع على غرار تثبيت حدود الرابع من يونيو- حزيران 1967 مع تبادل أراض بين الطرفين، وجعل القدس عاصمة مشتركة بين الدولتين، إلى جانب تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال، وعقد مؤتمر دولي للسلام».
إن فرنسا جاءت بهذه المبادرة لأسباب عدة، منها أسباب خاصة بها تتمثل بمحاولتها إيجاد دور لها في المنطقة من خلال هذه المبادرة بشكل مخالف لباقي الدول العظمى التي تضع أقدامها في المنطقة عبر السلاح بحجة محاربة داعش ودعم المعارضة السورية، وأخرى تدعم نظام بشار الأسد، وغيرها يدعم التحالفات التي أسست مؤخراً في الخليج العربي، وكذلك جسور علاقات المصالح مع بعض الدول، أما الأسباب الأخرى فتتمثل في أن العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تشهد حالة من الجمود بسبب التعنت الذي تتبناه حكومة نتنياهو الرافضة لكل المحاولات التي من شأنها إعادة الطرفين إلى مائدة المفاوضات، وكما أن للهبة الجماهيرية في الضفة والقدس دورا كبيرا في استنفار المجتمع الدولي للتحرك تجاه إيجاد حل للقضية الفلسطينية؛ حرصاً منه على عدم انفلات الأمور وخروجها عن السيطرة، الأمر الذي سيدخل المنطقة في دوامة عنف يصعب احتواؤها، فكان التحرك الفرنسي هو الأول بطرح هذه المبادرة التي رحبت بها القيادة الفلسطينية وترنحت بين القبول والرفض الإسرائيلي وهنا يتضح موقف الحكومة الإسرائيلية بالميول تجاه الرفض لها.
لا شك بأن المتغيرات الإقليمية أثرت بشكل سلبي على مستقبل قضيتنا الفلسطينية وأعادتها إلى المربع الأول لاسيما أن ما يسمى بالثورات العربية كان لها الدور الأكبر في ذلك، بعد أن كان للدول العربية اهتمام بالقضية الفلسطينية تلخص في المبادرة العربية للسلام التي رفضتها إسرائيل ولم يعد العرب يطرحونها في الوقت الحالي بسبب انشغالهم بما تشهده بلدانهم من فوضى عارمة.
وهنا لا بد من التنويه باستمرار وثبات الموقف السعودي الداعم للقضية الفلسطينية رغم ما تواجهه المملكة العربية السعودية من صعاب لاسيما حربها على الإرهاب وتأسيسها لتحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب ومساندتها لليمن الشقيق في أزمته الحالية فلا شك أن المملكة العربية السعودية، رغم ما تمر به إلا أنها ما زالت البلد العربي الوحيد الذي يلتزم بدعم موازنة السلطة بمبلغ 20 مليون دولار شهري، حسب ما تعهدت به في الجامعة العربية وكذلك موقفها السياسي الداعم لقضيتنا الفلسطينية وسعيها لعقد مؤتمر دولي يرتكز على الشرعية الدولية وعلى مبادرة السلام العربية لحل القضية الفلسطينية.
أما بشأن الموقف الفلسطيني والموقف الإسرائيلي تجاه المبادرة الفرنسية نجد أن القيادة الفلسطينية رحبت بشكل سريع بهذه المبادرة وطالبت بعقد مؤتمر دولي للسلام يفضي إلى آلية لتنفيذ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على غرار مجموعة 5+1 التي تفاوضت حول الملف النووي الإيراني، وتقوم القيادة الفلسطينية في هذه الفترة بتحركات دبلوماسية على الصعيد الدولي من أجل عقد مؤتمر دولي للسلام، فالموقف الفلسطيني واضح الملامح، أما الموقف الإسرائيلي فيشهد حالة من التخبط والانقسام والغضب تجاه الطرح الفرنسي وكانت تصريحاتهم مغلفة بنوع من الاتهام لفرنسا بأنها هي التي تقف خلف حملات المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستوطنات، واستهزأ نتنياهو بالمبادرة الفرنسية حيث قال: (هل ستدعو فرنسا داعش لحضور المؤتمر الدولي).
نلاحظ أن الحكومة الإسرائيلية تعاني من حالة الإفلاس السياسي وتعمل على المراوغة من أجل كسب المزيد من الوقت لفرض أمر واقع على الأرض من خلال تماديها في التوسع الاستيطاني في مدن الضفة والقدس، ومن جهة أخرى لا تريد أن تدخل أي دولة أخرى على ملف العملية السلمية غير الولايات المتحدة الأمريكية التي ترعاها منذ اتفاق أوسلو.
يبقى الفلسطينيون هم المستفيدون من الموقف الفرنسي على أسوأ الاحتمالات بناء على ما تقدمت به فرنسا لإسرائيل وهو إما القبول بالمبادرة أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهذا أمر جيد فإذا قبلت إسرائيل بالمبادرة فبذلك تعود القضية الفلسطينية إلى الصدارة في الساحة الدولية وسيكون هناك حراك سياسي نوعي، أما إذا رفضتها بشكل رسمي فسيكون اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية له أثر كبير وستكون ثالث دولة عظمى بعد روسيا والصين من الدول الخمس صاحبة الفيتو في مجلس الأمن وأول دولة غربية اعترفت بالدولة الفلسطينية الذي سيجعل أمريكا وإسرائيل تعيد حساباتها تجاه القضية الفلسطينية، وسيجعل من جهة أخرى دول عظمى أخرى تتجه إلى تبني القرار الفرنسي.
- أمين سر الشبكة العربية لكتاب الرأي والإعلام
ahmadshahien72@gmail.com