غدير عبدالله الطيار ">
خلقنا الله على فطرة سليمة ونفس صافية، ولكن هذا لا يمنعنا أن نرتقي بأنفسنا وأرواحنا ونرنو بها دائما في كل المواقف والأحداث التي تمر بنا ومن يحب ذاته يجب أن يجعل هذا منطلقا لحب الآخرين.
فمن الصعب أن يحب أحدنا الآخرين وهو لا يحب نفسه، ومن الصعب أيضا أن نطلب من الشخص أن يحترم الآخرين وهو لا يحترم ذاته.
كلما أحببنا أنفسنا وقدرناها كان ذلك سببا في حب الآخرين، لهذا دائما ما يقال إن سعادتك في إسعاد الآخرين. حقيقة يجب أن نعرفها، نعم حب الذات مطلوب حينما نعرف أن الله أودع هذه الغريزة في الإنسان حيث عن طريقها يحمي نفسه ويخاف على حياته.. كل إنسان محب لذاته يحاول أن يحقق جميع ما يحبه ويحتاج إليه، ولكن قد تخرج إلى معنى آخر حينما يطلق العنان لهذه الغريزة لتوجه شخصيته وعلاقته بالآخرين فإنه ينتقل بنفسه من هذا المفهوم الفطري إلى مفهوم الأنانية، هذا المرض العضال الذي يفوق خطر كل غريزة لأنه يستخدم بقية الغرائز لإشباع متطلباته وهذه الصفة أو الغريزة ينبذها ديننا الحنيف حيث جاء الإسلام لاستئصال هذا المرض أو ترويضه في إطار شرعي، حيث قال عليه الصلاة والسلام عن أنس ابن مالك {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} متفق عليه، ولا بد أن نعي حقيقة مؤلمة وإنَّ أكبر مشكلة تعانيها البشريَّة تبدأ في عالم الفرد، عندما يغلّب الإنسان مصلحته على مصلحة الآخرين ومهما كان الثَّمن، وهذا هو تعريف الأنانيَّة الذي ينطلق من الأنا.
وعرفت الأثرة: بأن قيل في معناها أن يختصّ الإنسان نفسه أو أتباعه بالمنافع من أموال ومصالح دنيويّة، ويستأثر بذلك فيحجبه عمّن له فيه نصيب أو هو أولى به، وراجع (نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم إنّ الأثرة والأنانية إذا شاعت في مجتمع من المجتمعات انحلّ عقده، وانفصمت عراه؛ لأنّ ذلك ظلم لأصحاب الحقوق، وظلم أيضا لذوي الأثرة الّذين يحصلون على حقوق الغير، ممّا يجعلهم كسالى مغرورين، وإذا ما حدث تبدّل في الأوضاع، فإنّهم يطالبون بردّ هذه الحقوق التي غالبا ما يكونون قد أضاعوها لعدم تعبهم في الحصول عليها، وحينئذ تنقلب المنافع إلى مهالك تهوي بهم في قاع السّجون، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى، والأولى بالمسلم الحقّ ألا يؤثر نفسه، أو أقاربه، أو أصهاره، أو مقرّبيه بنفع لا يستحقّونه، حتّى لا يعود ذلك وبالا عليه وعليهم، وعليه أن يتحلّى بعكس هذه الصّفة وهو الإيثار بأن يفضّل غيره على نفسه، وحينئذ فقط يصبح من المفلحين الذين تخلّصوا من شحّ أنفسهم وبخلها بالمنافع على الغير، فإن لم يفعل فالواجب عليه العدل بأن يعطي كلّ ذي حقّ حقّه، وله في أنصار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أسوة طيّبة حيث مدحهم المولى -عزّ وجلّ- بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر-9) وعلى من وقعت عليه الأثرة أن يصبر ويحتسب من ناحية، وأن يطالب بحقّه بالمعروف، سائلا المولى -عزّ وجلّ- أن يعينه، فالله سبحانه خير معين.
في نظري، الأناني شخصٌ مريض يحتاج للعلاج ويريد من يقف معه للقضاء على الأنانية في ذاته فالمجتمع والأسرة لهم دورٌ كبيرٌ في ذلك لأن المولود في الواقع يتأثر بالعوامل المحيطة به فيجب تعليمه وتعويده من صغره على عدم الأنانية وأن يحُب لغيره ما يحبه لنفسه قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- (حب لأخيك ما تحب لنفسك)، ويجب علينا أن نصّفي أنفسنا من صفة الأنانية هذه الصفة المكروهة ونبتعد عن الرغبات النفسية لأنها منشأ الاختلافات وهي من أهواء النفس الشيطانية، والتعوّيد على حب التعاون والأعمال الجماعية والاختلاط والتقارب أيضاً له دور مهم، والأنانية هي نتيجة تربية أسرية خاطئة فيجب على الأسرة مراجعة قراراتها للتخلص من هذه الآفة والسلوك الخاطئ، ويجب أن نقطع نبتة الأنانية المزروعة في أنفسنا ونزرع فيها المحبة، قال الإمام علي -عليه السلام- (ثمرة المحاسنة صلاح النفس) بهذا القول المأثور الذي يدعو فيه إلى صلاح النفس وتطهيرها من الشرور، فجمال الإنسان بجمال تعامله وأخلاقه وبعده عن الأخلاق السيئة، لذلك لا بد أن نحسن التعامل مع الآخرين، وأحب أن أبيّن أن هناك نظريتين أساسيتين في التعامل مع الأفراد، خاصة لأول مرة، الأولى تسمى نظرية X، والثانية تسمى نظرية Y، الأولى نظرية متشائمة جدًا تفترض الخطأ في كل المحيطين إلى أن يثبت العكس، كمن يقول الإنسان متهم حتى تثبت براءته. والثانية تفترض التفاؤل الكبير وتفترض الصواب في كل المحيطين إلى أن يثبت العكس، كمن يقول المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته. لذلك ينبغي دائماً التفاؤل والنظر بعين الأمل لكي نفهم نفسيات الآخرين لنتمكن من معاملتهم وكسبهم.
الحياة جميلة بجمال وجودك أيها الإنسان، وحياتنا تظل حمراء جرداء ما لم نبللها بالحب الصادق والكلمات المعبرة تجاه الآخرين، ليسود التعامل الراقي الذي ينم عن شخصية راقية متزنة.
وحتى نصل إلى الجمال؛ جمال العقل، جمال الفكر والأسلوب وجمال الروح، والأهم من ذلك في التعامل الراقي.
فما أجمل أن تكون الحياة جميلة بنا، وما أجمل أن نذوب فيها، فتكون الحياة نحن ونكون نحن الحياة.. بالفعل التعامل جسر نعبر به إلى وجدان الآخرين ونؤثر به على نفسيات البشر.
وقفة
هاهو تعاملنا..
يكشف عن رقتنا..
يكشف عن عذوبتنا..
يكشف عن جمالنا..
وأي جمال..
جمال الحب والروح..
جمال النقاء والصفاء..