تلقيت وأنا في سفر متواصل خارج المملكة نبأ وفاة الأخ الأكبر ابن العم والصديق الوفيّ رجل الأعمال العصامي الشيخ سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز التويجري -رحمه الله-، وكأن قدري مع من أحب أن يتوفاهم الموت وأنا بعيد عنهم وعن الوطن، فما أقسى فاجعة الفقد في وحشات الغربة والبعد، وما أصعب الحرمان من نظرة الوداع.
كان (رحمه الله) شقيق قلبٍ وصَفيَ فؤاد، تمازجت روحانا بالحب الخالص وتلاقت رؤانا واهتماماتنا في كثير من الجوانب. كان قلباً كبيراً، ونفساً نبيلة، وواحة من واحات المكارم والشيم النادرة، ولا يمكن لأي كلمات أن تفيه حقه.. رحمه الله رحمة واسعة وتغمده بعفوه وكرمه، وأنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين، وجمعنا به ومن نحب في الفردوس الأعلى، وأحسن عزاء أسرته وعزاءنا فيه؛ و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
نَحْدُو المُنى والمَنَايَا حَوْلنَا رَصَدُ
هَيْهَاتَ يَنْجُو إذا مَا أقبلت أَحَدُ
وَنَحنُ في فَلَوَاتِ العَيْشِ سَائِرَةٌ
رِكَابُنَا والرَّدَى يَدْنُو وَيَبْتَعِدُ
وَرُبَّ مُسْتَوْثِقٍ حَانَتً مَنِيّتُهُ
وَيَائِسٍ ضَجِرٍ مَاضٍ بِهِ الأَمَدُ
أَقْدَارُنَا في كِتَابِ الغَيْبِ مُودّعّةٌ
يقضي بِهَا في عُلاهُ الوَاحِدُ الأَحَدُ
****
أَخَا المَكَارِمِ وَالأَشْوَاقُ هَائِجَةٌ
تَفْرِي الفُؤادَ وما تَنفَكُّ تَطّرِدُ
هَلْ غِبْتَ حَقّاً وَهَلْ أَضْحَى يُفَرِّقُنَا
رَغْمَ التَّجَاوُرِ في أَرْوَاحِنِا لَحَدُ
فَلَنْ أُقَاسِمَكَ الأشْجَانَ في سَمَرٍ
وَلَنْ يَكُوَنَ لَنَا بَعْدَ الوَدَاعِ غَدُ
وَلَنْ أَرَاكَ وَقَدْ قَاسَمْتَنِي خَلَدِي
وَلَنْ تَرَانِي إلَى أَنْ يَنْفَدَ الأَبَدُ
****
يَا سَيّدِي يَا نَقِيَّ القَلْبِ يَا ألَقَاً
بِالحُبِّ كَاَن وبِالإحْسَانِ يَتَّقِدُ
وَيَا شَذَاً تَغْبِطُ الأنْسَامُ طِيبَتَهُ
وَرَوْضَةً زَهْرُهَا لِلرِّوحِ مُتَّسَدُ
كُنْتَ المَكَارِمَ لَمْ يَخْدِشْ نَضَارَتَهَا
مَنٌّ وَلا نَالَ مِنْ أَنْدَائِهَا صَدَدُ
وَكُنْتَ بَرّاً حَفِيّاً إنْ جَفَتْ رَحِمٌ
فَمَا بِقَلبَكَ لا غِلٌّ وَلا حَسَدُ
وَكُنْتَ يَا سَيِّدِي حُرَّاً ومّا رَضيَتْ
عَيْنَاكَ ذُلاً وَإنْ لَمْ يُسْعِفِ الجَلَدُ
وَكُنْتَ كُنْتَ الرِّضَى فِي كُلِّ نَازِلَةٍ
وَالبَلْسَمَ العَذْبَ إنْ أَوْدّى بِنَا كَمَدُ
****
يّا سَيِّدِي هَا أَنَا أَرْثِيكَ مُنْصَدِعٌ
مِنِّي الفُؤَادُ وبَوْحِي بَعْضُ مَا أَجِدُ
تّزّاحّمّ الشِّعْرُ في صَدري وَمَا بَرِحَتْ
رِكَابُه مِنْ صَدَى ذِكْرَاكَ تَحْتَشِدُ
فَلا تلُمْني إذَا لَمْ تَشْفِ قَافِيَتِي
لَوَاعِجَاً مِنْ لَظَاهَا ذَابَتِ الكَبِدُ
وَلا تَلُمْنِي إذَا مَا الفَقْدُ أذْهَلَنِي
فَمَنْ كَسَعْدٍ إذَا مَا غَابَ يُفْتَقَدُ؟
- د. أحمد بن عثمان التويجري