الباحث عن مكانة المرأة في المجتمعات العربية لا يمكن أن ينخدع فيصور له شططه أنها تحظى بشراكة في الإبداع والتنمية، وبينها وبين الرجل تكافؤ ثقافي ومعرفي؛ لأن النظرة الدونية في المجتمعات العربية تجاه المرأة جذرها ثابت لا تزعزعه أعصاصير ثقافية ومعرفية، ولا تجتثه رغبة الحق؛ لإرجاع الأمور إلى نصابها.
للأسف غطت النظرة الدونية أغلب المجتمع، بل وسحبت رداءها الغليظ وكمد أغلالها على أغلب العقول التي تدعي الثقافة، فالمرأة في أحسن الأحوال مجرد أداة للكتابة تستنطق الإبداع في لجة أعماق الرجل، ومن خلال الكتابة فيها وعنها يظهر بريقه، وتسمو هالته لتواري حقيقة فكرته الضالعة في جحود مكانة المرأة التي وإن ارتقت بنفسها وبالرجل في سلم الإبداع والمجد تظل مطوقة بفكرة أنها «عورة»، وأقل من الرجل، وهذه الفكرة في العقول المدعية من الثقافة ما ليس لها أن تبرز حين تمشط نظرتك في البرامج، والإعلانات التلفزيونية، ويتجول فكرك في الروايات، ويتغنى لسانك بالقصائد، وتستظل بالوسم في مواقع التواصل الاجتماعي. يرتكب المثقف إساءة بحق المرأة بدراية، وأحياناً بدون دراية، فمثلا «نزار قباني» ارتكب ذات الإساءة في حق المرأة في كثير من قصائده، حيث اعتبرها مجرد أيقونة للجمال، جسد عليه تحقيق رغبات الرجل بانصياع تام، فلولا الرجل يفقد جسدها رونقه، ذات الخطأ ارتكبه «جاسم الصحيح»، فهو يشترك مع «نزار» في ترتيب غرائز المرأة بالفوضى المقنعة بسحر الشعر، غير أن «نزار» استدرك هذا في بعض قصائده محاولاً اقتباس شعور المرأة وحيرة عاطفتها في الرضوخ للرجل أو البعد والاستقلال عنه، وإن كان في هذا اعتراف غير مباشر بالوصاية عليها، لكنه يظل أفضل من الغياب التام عن شعورها والإحساس به الذي غاب «جاسم» عنه، وعن ما تواجهه المرأة من أعباء تقاسيها في وجه المجتمع الذكوري، واكتفى بها أيقونة تراوده على الحب و الكتابة. الرواية أن صح التعبير بنت عصرها، فهي بطبيعتها تتشكل وفق كل عصر، وما يطرأ عليه، ولأن العصر ما فتئ ينظر للمرأة بنظرة إزدراء لم تتغير عبر الانفتاح، بقيت لم تتغير الرواية الكلاسيكية والرومانسية والواقعية، ولم تنجو مما لم تنجو منه القصيدة، بل كرَّست الدونية تجاه المرأة في غالب أورقتها، رغم أنها أي الرواية خرجت عن السائد والمألوف والأبدي والمثالي، لكن الدونية للمرأة غالباً بقيت شامخة، فالمرأة فيها وإن تمرَّدت على المجتمع تتجاوز الحد، وكأنها بلا عقل يعرف الصواب من الخطأ، بلا ضمير يقيم سلوكها ويردعه. المتأمل في أغلب روايات «واسيني الأعرج» و روايات «محمد حسن علوان» يدرك أنَّ المرأة في نظر الكاتب كائن خؤون مزاجي، وهذه إساءة قاسية في حق شريكة الإبداع، و مربية الأجيال، وتنم عن نظرة دونية للمرأة في المجتمع يلخصها الكاتب من حيث لا يدرويدري. الوسم في ميدان تويتر يعجز اللفظ عن بلوغ الحقيقة في وصف تخلف المجتمع، حيث إن أغلب رواده تشربوا وجهة نظر المجتمع، وتبنوا رؤية الرواية، وغواية القصيدة، فازدادت جرأة الساقطين على المرأة حدة دون وجود دور توعوي يقف رادعاً جازراً لهذا السقوط. والحل لتفادي المزيد من الانحدار، إعادة تأهيل المجتمع بكل أطيافه لاحترام وتقدير المرأة.
- نادية السالمي