رسالة إلى ناشر جشع ">
يشغلني أمر طباعة كتاب ونشره كلما انتهيت إلى مشروع كتابة، وتصدمني تجربتي الطباعية الأولى وهي تقف في وجهي كفزاعة، وتدعوني كذلك لأسأل وأتساءل عن فحوى النشر ومآلاته. ومن تلك الأسئلة التي تشغلني وتحيرني مثلاً السؤال عن:
هل ظل محفوظاً لدور النشر والطباعة دورها في التعاطي مع المبدع وإرشاده برأيها وتوجيهه إبداعياً، ولماذا ؟.
وعند النظر إلى أهمية دور النشر ودورها الفعال في فرز الإبداع باعتبارها مصنعا ومختبرا نهائيا لظهوره في نموذجه الأفضل أدبياَ أولاً وإخراجياً بعد ذلك، فالتحول في حركة النشر وانتقال مسئولياتها إلى أيد تعنيها صفقاتها المادية دون أن تفقه فكراً، وقد كان أمر إدارتها بيد المبدعين أوالمثقفين أحدث آثاره السلبية على ثالوث المبدع والإبداع والتلقي، فهناك من الناشرين من لا يعنيه مبدع ربما جاءه متردداً بين أن يكون أو لا يكون، وظل يبحث حتى اهتدى إليه كمؤسسة تعنى بالنشر متطلعا إلى رأيه الخبير وأغواه ذلك الناشر وغرر به منطلقاَ بأنانية ومادية وجشع بحت لدار نشر ترى أن المبدع عقدها المضمون، وتجارتها الرابحة التي لا يهمها وهي تغض الطرف عن إبداع ضعيف ما قد يوقع ذلك الموقف المبدع فيه من حرج وخسران، ويلحقه به من ضرر معنوي ومادي مستقبلاً !. وخاصة ما ارتبط منه بالإصدار الأول فعند استلام تلك الدار المال تقف من المبدع الناشئ موقفها المغري إياه والمغرر به الذي يتضح في قبولها نشر تجربته وهي توقن أنها تجربة غير مكتملة.
وذلك التحول في تقييم الإصدار ونقده مع أهميته لمبدع ناشئ لم ينته من متعة تجريبه ولم يزل يختبر ملكاته، ولم يتحقق منها بعد، ولم يكتف بحصيلة تجاربه التي يمارسها عليه إبداعه ولم يستنتج نتائجه بعد، وهو يروض إلهامه ومعرفته ويمارس دهشته ويراكم حصيلته ويحشد نوارس لياقته على السطور، ويضاعف خبراته حتى إذا اتصل لاوعيه بلاشعوره وأوحى وعيه إلى روحه بما كتب انفصل وعيه عن شعوره وتوحد إلهامه بوجدانه وامتزج بهما الإبداع فأنطق ذاكرته بمعنى اللغة، فمن شأن ذلك التدريب أن يمكن المبدع من صوغ بدايته و يمنحه وفطرة القدرة على كتابة الذات وتكوين ملامحها المقروءة.
الفرق الذي أحدثه تبادل الأدوار الإدارية بين ناشر مثقف وناشر تاجر فحسب، وإناطة المسئولية عن الفكر في أحد أهم نماذجه لمؤسسات ثبت أنها غير مؤهلة رعاية شؤون الثقافة أورثت أضرارها على الفكر إبداعيا وثقافيا، وبالنظر إلى هذا التساهل في تقييم العمل الإبداعي من قبل دور النشر يتضح قصورها الكبير في القيام بدورها إلى حد أضعف ثقة المبدع بإبداعه وبتلك الدور وقلة نشره فيها.
والنتيجة في رأيي ليست في صالح دور النشر إذ أدى ذلك التساهل وتجاهل انتقاء الإبداع اللائق بالتلقي، إلى قلة احترام تلك الدور من قبل المتلقي والمبدع. وهو مايدعوني إلى التساؤل: ما التفسير العام للاستغلال الذي يقع فيه مبدع ناشئ ينتقص إلى حسن التدريب ويضل الطريق إلى ما ينبغي عليه عمله أولا، وربما يقضي عليه استغلال من ذلك النوع ليس لخسارته المادية ولكن لحساسيته الإبداعية المعلقة بالموقف المؤبد للتلقي من جراء قراءة وتقييم التجربة الابداعية الأولى والنوم على الانطباع المأخوذ إزاءها طويلا: فكيف لمبدع مازال يتصعلك في شوارع إبداعه مندهشا بها ولم يستوطن بعد ممراتها تلك التجربة التي لم ترق بعد الى مستوى النشر وهي تستغل على هذا النحو تمر دون محاكمة جادة وعقوبات صادرة بحقها معمول بها على صعيد الواقع!.
- المبدع الناشئ فارس مغامر؛ لذلك يتداخل وإبداعه وهو لم يزل صعلوكا وليس في مأمن بعد من تشرده عن موطن إبداعه ليحظى بأمان أن يكون مقروءا، كما يستحق ويستوطن إبداعه ويدخله آمنا.
- هدى الدغفق