فاطمة حماد البلوي
توصل الباحث الأمريكي في علم النفس مارتن سليغمان عام 1965 مع مجموعة من الباحثين إلى نظرية العجز المكتسب معتمدين على تجارب العالم الروسي بافلوف الذي وجد أن الكلب يسيل لعابه عند سماع الجرس لارتباط صوت الجرس بتقديم الطعام.
قام سليغمان بإجراء تجربة تعتمد على إخافة الكلب، وذلك عن طريق رن الجرس المرتبط بصدمة كهربائية عدة مرات، في المرحلة الأولى من التجارب تم ربط الكلب، أما في المرحلة الثانية، تم فك قيد الكلب ورن الجرس فقط، توقع سليغمان أن الكلب سيحاول الهروب بمجرد سماع صوت الجرس لأن الجرس مرتبط بصدمة كهربية، لكن المفاجأة كانت ان الكلب جلس بخضوع واستسلام، ظل ساكنا يئن ويتألم للصدمات دون أن يحاول الفرار منها، رغم كونه حرّاً بلا قيود. لم يتحرك أو يزمجر أو يدافع أو يهاجم أو يبدي أي ردة فعل، ثم تلتها صدمات كهربية متتالية وأيضاً لم يتحرك.
تفسيرما حدث هو أن الكلب، بدلاً من أن يتعلّم الفرار من الخطر، تعلّم الاستسلام إليه. ففي المرحلة الأولى من التجربة، تعرّض الكلب للصدمات وفشل في الهرب منها لأن القيد منعه من ذلك، ومع تكرار الصدمات وتكرار فشله في الهرب، تعلم الكلب العجز والاستسلام ولم يحاول أن يفعل شيئا حتى عندما فُك قيده في المرحلة الثانية، ولذلك أطلق سليغمان على تلك الظاهرة مسمى العجز المكتسب
لاحقا، وجد علماء النفس أن نظرية «العجز المكتسب» تنطبق أيضا على سلوك البشر وتساعد على فهم أسباب كثير من سلوكياتهم الحياتية والدراسية. فقد وجدوا أن التعرض المستمر للفشل يساهم في حدوث العجز المكتسب، والانسحاب، وعدم الرغبة في التعامل مع المهام الجديدة، وفقد روح المثابرة حتى إذا تغيرت الظروف المحيطة. فالإنسان معرض لليأس والاستسلام عندما يواجه صعوبات الحياة وعقباتها، ويحاول تخطّيها فيفشل، ثم يحاول فيفشل، ثم يحاول فيفشل، فيتعلم العجز والاستسلام لهذه الصعوبات ولا يحاول أن يفعل شيئاً حيالها على الإطلاق.
قمت بإجراء دراسة عام 2013 في جامعة الملك عبد العزيز بغرض الكشف عن الأسباب النفسية التي تقلل من دافعية الطالبات السعوديات في تعلم اللغة الإنجليزية التي تعتبر مطلبا ومحرّكا رئيسيا للاستمرار في بذل المجهود والوصول للهدف، وبعد مقابلة عدد من طالبات السنة التحضيرية ثلاث مرات على مدار السنة الاكاديمية، وجدت أن العجز المكتسب أحد أهم أسباب الإحباط وانعدام الدافعية لدى الطالبات وتم التحقق من تلك العلاقة بإجراء دراسة أخرى شملت 2800 طالب وطالبة من الجامعة وتحليلها باستخدام الانحدار الخطي المتعدد، فكانت النتيجة ان العجز المكتسب يفسر 55% من الإحباط الذي يصيب طلاب اللغة ويفسر 65% من انعدام الدافعية وضعف التحفيز الذاتي وفقدان الثقة بالنفس.
بدأت أولا بتحديد سمات وأعراض إصابة طالب اللغة بالعجز المكتسب وكان أهمها:
- تجنب المشاركة في الأنشطة الصفية حتى لو كانت سهلة.
- إهمال حل الواجبات المنزلية ونسيانها.
- عدم التحضير والمذاكرة قبل الاختبار وإنكار فاعلية أو جدوى بذل المجهود في تغيير النتيجة.
- الهروب من محاضرة اللغة الإنجليزية كلما سنحت الفرصة وشرود الذهن والسرحان في حالة الاجبار على الحضور.
- انعدام الإحساس بالضغط والتوتر قبل الامتحان والاعتماد على الحظ أو الغش للنجاح في المادة.
- إحساس قوي بالعجز واعتقاد عميق أن النجاح في تعلم اللغة أمر خارج عن نطاق السيطرة.
- السلبية الشديدة عند وصف المهارات المكتسبة من تعلم اللغة الإنجليزية ونظام التعليم في السعودية.
- تدني مستوى الثقة بالذات وعدم القدرة على تخيل اكتساب مهارات لغوية عالية في المستقبل مهما تغيرت الظروف.
- عدم القدرة على مناقشة المشاكل الدراسية أو طلب المساعدة من المعلم لإيجاد حلول فعالة أما أسباب حدوث العجز المكتسب لدى الطلاب فقد تعددت ويمكنني حصر أهم العوامل المسببة لحدوثه في ثلاثة محاور:
- تجارب الفشل المتتالية بالرغم من بذل المجهود من قبل الطالب، وتجارب الفشل لا تنحصر في الرسوب في الامتحان النهائي، بل تشمل الفشل بكل أنواعه كالفشل في استخدام اللغة والتحدث بها في الحياة الواقعية والفشل في فهم البرامج التلفزيونية والاخبار الإنجليزية والفشل في فهم الدروس داخل الفصل أو الحصول على درجات ضعيفة..
- ردود فعل المعلمين وتعليقاتهم السلبية في حالة فشل الطالب داخل الفصل الدراسي أو في الامتحان، وشملت النقد المتكرر والاستهزاء أو التركيز على الأخطاء ونشر السلبية داخل الفصل الدراسي أو عدم مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب أو عدم تشجيع الطلاب على المشاركة باستخدام استراتيجيات تحفيزية.
- اعتناق العقلية اللغوية الثابتة والايمان بأن لكل شخص قدرات ثابتة فطرية لا يمكن تغييرها أو تحسينها وقد تحدثت عن هذه العقلية في مقال سابق.
وعند مقارنة كل العوامل المسببة لحدوث العجز المكتسب باستخدام الانحدار الخطي المتعدد لمعرفة أقوى عامل شارك في حدوثه وجدت أن الفشل في استخدام اللغة الإنجليزية للتواصل في الحياة الواقعية هو المسبب الأكبر الذي يفسر 85% من حدوث العجز المكتسب. يكتسب الطلاب هذا العجز بعد قضائهم سنوات طويلة في تعلم اللغة في المدرسة والجامعة وشعورهم بالصدمة عند مقارنة ما تعلموه في الفصول الدراسية بلغة الناطقين الاصليين نتيجة عدم تطور مهارة التحدث الى المستوى الذي يساعدهم حتى على إجراء محادثة بسيطة على ارض الواقع.
تدريس اللغة الإنجليزية في السعودية كمنهج دراسي وإجبار الطلاب على التركيز على مهارات معين دون غيرها يتناقض مع توقعاتهم وأهدافهم ويتعارض مع طموحهم في تطوير حقيقي لمهاراتهم يساعدهم على تحدث اللغة بطلاقة واستخدامها للتواصل في الحياة اليومية.
إذا كانت الصدمات المتتالية وتجارب الفشل المتتالية سببا رئيسيا في حدوث العجز المكتسب وإذا كان العجز المكتسب سببا رئيسيا في حدوث الإحباط والاستسلام وانعدام الدافعية لدى الطلاب، فلابد من إيجاد حلول جذرية لتلك العوامل وإعادة النظر في عملية تعليم اللغة الإنجليزية في السعودية لتقوية وتعزيز مخرجاتها التي لا تواكب طموحات الطلاب ولابد من إعادة النظر في أهداف تعليم اللغة الإنجليزية وطرق التقييم المعتمدة بما أنها لا تحفز الطلاب ولا تساعدهم على تحقيق الهدف المأمول.
لقد أصبح المستوى اللغوي لأغلب الطلاب السعوديين وضعف مخرجات تعليم اللغة الانجليزية موضع نقاش وجدال بين كافة أطراف العملية التعليمية من إدارة ومعلمين وطلاب وأولياء أمور، وأصبح إحباط طلاب اللغة ظاهرة لا بد من الوقوف على أسبابها وإيجاد الحلول المناسبة لها لتحسين العملية التعليمية-التعلمية ورفع مستوى الطلاب اللغوي.
من هنا تبرز أهمية رفع مستوى الوعي عند جميع الأطراف المعنية فيما يخص السمات الفردية أو العوامل النفسية التي تستمر في احباط الطالب خلال مراحل تعليم اللغة المختلفة. ولا يمكن تحقيق ذلك الا بتوعية وتدريب معلمي اللغة الإنجليزية على استخدام الاستراتيجيات التحفيزية الفعالة أولا ثم بتثقيف طلاب اللغة وإقناعهم بأن الفشل جزء لا يتجزأ من عملية تعلم اللغة وإن بذل المجهود وارتكاب الأخطاء هو الطريق الوحيد للنجاح في الوصول إلى أهدافهم.