كيف البقاء وباب الموت منفتح
وليس يغلق حتى ينفد البشر!!
الصحافة وبعض وسائل التواصل والإعلام تُفاجئنا كل صباح بما يسر، وأحياناً يسوء ويحزن، فبينما كنت أتصفح صحيفة الجزيرة الحبيبة إلى نفوسنا إذا بنبأ رحيل معالي الشيخ الفاضل محمد بن عبد الله بن عودة يشير إلى انتقاله من الدنيا الفانية إلى الدار الآخرة الباقية، بعد طول معاناة مع المرض، وبعد حياة مديدة، حافلة بأعماله الجليلة، وبتسنُّمه المناصب العالية، وبالذكر الحسن، وذلك مساء يوم الأربعاء - ليلة الخميس 25-4-1437هـ، وقد أُديت صلاة الميت عليه بجامع الملك خالد بأم الحمام بعد صلاة عصر يوم الخميس، وووري جثمانه الطاهر بمقبرة أم الحمام بالرياض، ولقد تأثرت كثيراً لما كان له من مكانة عالية في نفوس محبيه، وهذه سنة الله في خلقه، حياة ثم ممات، ولقد ولد بمدينة بريدة بمنطقة القصيم، وتربى بين أحضان والديه تربية صالحة، وعاش في بيئة علم وأدب، ودرس في حلق العلماء حيث تتلمذ على عدد من علمائها أمثال: الشيخ عمر بن سليم، والشيخ إبراهيم العبيد، وعلى الشيخ صالح بن أحمد الخريصي، وغيرهم من علماء منطقة القصيم، وكانت تلك الفترة المباركة بالقصيم فترة تأسيس وتهيئة للتوسع في طلب العلم، والإمامة، وعلو منابر الخطابة بالمساجد، وبعض المناسبات، وقد انتقل مع والده الشيخ عبد الله رئيس محاكم جازان، فعمل إماماً وخطيباً في أحد الجوامع، ثم ملازماً قضائياً هناك رغم حداثة سنه، لما يتمتع به من حذق ونجابة، وثبت جنان، وتتلمذ على والده في تلك الحقبة الزمنية، كما تلقى العلم على الشيخ عبد الله القرعاوي الذي نفع الله به في تلك الجهات الجنوبية، حيث أسس مجموعات كبيرة من المدارس هناك بدعم سخي من الدولة ومتابعة من الملك سعود - رحمه الله - بعد ذلك انتقل والده رئيساً للمحاكم بالمنطقة الشرقية بالدمام، فانتقل معه وعين قاضياً بالخبر بالإضافة إلى قيامه بالخطابة والإمامة في أحد مساجد الخبر، فأول رؤيتي للشيخ محمد في آخر عام 1370هـ وهو يقرأ على والده في بعض كتب المطولات قبل صلاة العشاء، وهو لا يزال في ريعان الشباب في مسجد قرب منزل معالي الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن بن عدوان ممثل الحكومة لدى شركة أرامكو - آنذاك - وذلك أثناء مجييء أنا والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان للعلاج في مستشفى أرامكو لعدم وجود مستشفى بالرياض، سوى مستوصف متواضع قرب بوابة (القري) المطل على البطحاء، والحمد لله غيّر الله من حال إلى حال أفضل، ثم انتقل إلى الرياض مساعاً لرئيس المحكمة الكبرى. بعد ذلك عُيّن رئيساً للمحكمة خلفاً لسابقه، ثم انتقل إلى مجلس القضاء الذي شكّله سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم وبعد وفاته - رحم الله الجميع - أصدر الملك فيصل - رحمه الله - أمراً بتشكيل لجنة مؤقتة لتولي أعمال رئاسة القضاء، وكان من ضمنهم الشيخ محمد بن عبد الله بن عودة، وبعد أن شكّلت هيئة كبار العلماء أُختير أميناً عاماً لها، ثم تولى منصب وكيل وزارة العدل فترة من الوقت، فكثرة تتلمذ الشيخ محمد على عدد كبير من العلماء بدءاً من والده الشيخ عبد الله وعلى كبار العلماء، وعمله بجانب الرؤساء في معظم مراحله الوظيفية والعملية، قد أكسبته دراية وحنكة، لأن ملازمة أولئك أنارت له طرق القمم مما سهل تربعه على هضابها بكل جدارة وثقة، وصدق الشاعر حيث يقول ناصحاً:
عليك بأرباب الصدور فمن غدا
مضافا لأرباب الصدور تصدرا!!
ثم صدر أمر ملكي بتعيينه رئيساً عاماً لتعليم البنات بمرتبة وزير عام 1403هـ تقريباً، فأخذ - رحمه الله - يقوم بجولات في أنحاء مناطق المملكة وبصحبته عدد كبير من المسؤولين كل في مجال اختصاصه للوقوف على احتياجات تلك البلدان والمناطق للمدارس، رغم ما يعانونه من وعورة بعض الطرق للوصول إلى الأرياف والهجر، وقد تحقق في فترة عمله الكثير من المشاريع وإحداث مدارس عدة، فكل عمله يتسم بالمرونة وتحقيق متطلبات المراجعين بقدر الإمكان، فاستمر في عمله بكل أمانة ونشاط، ولقد كان - رحمه الله - محبوباً لدى المجتمع عامة لما يتمتع به من خلق كريم، وتواضع جم، ومحل التقدير لدى ولاة الأمر ملوك هذا الوطن، ومن ذلك قيام الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - بزيارته بالمستشفى التخصصي للاطمئنان على صحته، وهذا التواضع والمواساة لا يُستغرب على ملوكنا - جزاهم المولى خير الجزاء -:
هم الملوك وأبناء الملوك لهم
فضل على الناس في اللأواء والنعم!!
رحم الله الفقيد الشيخ محمد بن عبدالله بن عودة، وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وأسرته ومحبيه الصبر والسلوان.
وإنما المرء حديث بعده
فكن حديث حسنا لمن وعى!!
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف - حريملاء