مهداة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله
إذا سارَ طفلاً في شوارعنا الفجرُ
ألا فأعلما أنَّ البيانَ هو السحرُ
نسجنا بنورِ الشمسِ كلَ خريدةٍ
تسير بها الدنيا ويزهو بها الدهرُ
وإنّا إذا ما صاغةُ القولِ هَلْهَلوا
تلاصفَ في أشعارنا الماسُ والدُّرُ
ويا صاحِ عدّي ذكرَ ذلك كلِّه
فإنّا عرانا الهمُّ والفادحُ النُّكْرُ
ففي شامةِ البلدانِ مأساةُ أمةٍ
بها صالتِ الأغنامُ وأستأسد الهرُ
كتبنا لأرض الغوطتين مناحةً
تمازجَ في أرجائها الدمعُ والحِبرُ
رأيتُ بها البَدْويَّ (1) يتلو قصيدةً
تفاوحَ من أردانها المِسكُ والعطرُ
ليالي بها شوقيُّ صاغ قصائداً
يُقيمُ بها أرقى ممالكِه الشعرُ
وفي جلِّق الفيحاءَ قامتْ منائرٌ
تحُطُّ على هاماتها الأنجمُ الزهرُ
وتمضي الليالي وهي سودٌ غوادرٌ
ليأتي عروسَ الشامِ من منشمٍ عطرُ
سلامٌ على قاسيونَ حارسِ حُسنِها
وبين الجراحِ الحُمْرِ يبتسمُ الزهرُ
وما كنتُ أرجو أن نعيش أذلةً
تضيقُ بنا الدنيا ويلفظنا البحرُ
يتامى على بابِ اللئامِ صغارُنا
وتأكلنا الحيتانُ والمدُّ والجزرُ
هُمو صدَّروا الموتَ الزؤامَ لأرضنا
وإنَّ دمَ الأطفالِ في كأسهمْ خمرُ
صبرنا كما أيوبَ في الحربِ نخوةً
ولكنَّ بالخذلانِ قد مسَّنا الضُّرُ
وإنّا وإن عضَّ الزمانُ قناتنا
«لنا الصدرُ دون العالمينَ أوِ القبرُ»2
سقى اللهُ أرضِ النيلِ كلَ سحابةٍ
فقد فعل المعروفَ أبناؤها السمرُ
هُمو فتحوا الأبوابَ رغم خصاصةٍ
سجيةَ قومٍ لا يغيرها الفقرُ
فما أروعَ السودان أرضاً وأمةً
فإنهمُ أهلي وطينتُهمْ تبرُ
وفي يَمنِ الإيمانِ قامت عصابةٌ
على وجهها تبدو الخيانةُ والغدرُ
وإنك يا سلمانُ فارسُ خيلنا
وقد كان منا الفاتحُ الداخلُ الصقرُ» 3
وجرَّدكَ التاريخُ سيفاً مصادماً
ونجَّذكَ التجريبُ والرأيُ والفكرُ
وقد كنت ليثاً إذْ عصفتَ بجمعهم
كأنهمو من صوتِ أشبالك الحُمْرُ
وفعلُكَ ماضٍ ليس فيه مضارعٌ
إذا صارَ فعلُ الحرب فعلاً هو الأمرُ
وقد كنتَ رحب الصدرِ سيدَ قومهِ
«لك الهبواتُ السودُ والعسكرُ المجْرُ»4
تقاتلُ عن حرماتِ ربكَ حاسراً
وقد لاح في أفقِ اليمانيةِ النصرُ
وقد عرف الحُوثيُّ قدرَ هوانهِ
وقد دهمت أطنابَهُ الزَّعْزعُ الصِّرُ
وجيشُك من خيرِ الجيوشِ بسالةً
وقد ضاق عنه الجوُ والبحرُ والبرُ
وكم من فتىً ماضي العزيمةِ فاتكٍ
أخي الحربِ ندبٍ من خلائقهِ الكرُّ
«وأثبت في حومانةِ الحربِ رجلهُ
وقال لها من تحتِ أخمصك الحشرُ» 5
«تردى ثيابَ الموتِ حمراً فما دجى
لها الليلُ إلا وهي من سندسٍ خضرُ»6
وقد كان دفعُ الشرِ بالشرِ حازماً
ألا أن نيرانِ المجوسِ هي الشرُ
سلمتَ لنا سلمان قائد أمةٍ
على وجههِ الإحسانُ والخيرُ والبرُ
فآل سعودٍ عمّرَ الأرضَ ملكُهم
وقد خدم الحرمين أسلافك الغرُ
أيا ملكاً نال الثريا بهمةٍ
وأمسكتِ الجوزا أناملهُ العشرُ
دعوناك للأقصى فقد طال ليلُه
ولا بد بعد الليلِ أن يطلع الفجرُ
* * *
1 - الإشارة للشاعر بدوي الجبل
2 - عجز البيت لأبي فراس الحمداني
3 - الإشارة إلى عبد الرحمن الداخل الملقب بصقر قريش
4 - عجز البيت للمتنبي
5 - 6 - البيتان لأبي تمام
الشاعر السوداني إبراهيم الدلاّل - أم درمان