المتحف الوطني يستضيف 100 قطعة من نفائس الحضارتين الأموية والعباسية ">
يشهد المتحف الوطني بالرياض معرضا متميزا لقطع أثرية مختارة من متحف البيرجامون الشهير ببرلين، تمثل حقبا من الحضارات الإسلامية في عصور الدول الأموية والعباسية والعثمانية في كل من بغداد وسامراء ودمشق تم جمعها في معرض «عواصم الثقافة الإسلامية الأولى» الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ممثلة بالمتحف الوطني بالتعاون مع متحف البيرجامون الألماني لمدة ثلاثة أشهر.
ويضم المِعرض الذي افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، الجمعة 26 ربيع الآخر (5 فبراير) الماضي. (104) قطعة أثرية من القطع المعروضة في متحف البيرجامون الألماني والتي تعكس نماذج من الحضارة الإسلامية، كما يقدم لمحات من العلاقات الثقافية القائمة آنذاك بين النخب الحاكمة وبقية أنحاء العالم خلال فترة تقدّم وانتشار الثقافة الإسلامية.
ومن ضمن القطع المعروضة في المعرض قطع من سور مدينة سامراء القديمة، وقطع وأواني من العصر الأموي، بالإضافة إلى مقتنيات أثرية ساسانية عمرها يتجاوز 1500 عام، تعرض في إطار العرض التفاعلي مع مجموعة من الأفلام والتجارب السمعية والبصرية مصممة لجميع الأعمار بحيث تعطي المعلومة الكاملة لكل قطعة موجودة في المعرض.
ويأتي تنظيم المعرض الذي يفتتح أبوابه للجمهور يوميا من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثامنة مساء، في إطار التعاون بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ومتحف البيرجامون الألماني وضمن الاتفاقية الموقعة بين الهيئة والمتحف في مجال المعارض والتعاون العلمي والتقني، وإعارة المجموعات المتحفية.
عظمة الحضارة الإسلامية
وكان الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قد أكد في تصريح صحفي عقب افتتاح المعرض أن إقامة هذا المعرض الذي يعكس حضارات العواصم الإسلامية في العاصمة السعودية يأتي لأهمية هذه البلاد والدور الرائد للجزيرة في العربية في انطلاق الإسلام وازدهار الحضارة الإسلامية.
وأشار إلى أن هذا المعرض يمثل مبادرة من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني للتعريف بالحضارة الإسلامية التي تمثلها مجموعات قطع في متحف البيرجامون ببرلين الذي تربطنا به في الهيئة اتفاقية تعاون في مجال المعارض وسبق أن أقمنا فيه معرض روائع الآثار السعودية، مشيرا إلى أن الحضارة الإسلامية لها أثرها الإيجابي الهام في جميع عواصم العالم والآثار التي تزخر بها معظم المتاحف العالمية تشهد بجمال وأهمية هذه الحضارة، ونحن الآن نأتي بهذه القطع من تلك الدول التي لها علاقة بالإسلام وهذا شيء مهم بالنسبة لنا.
وقال الأمير سلطان بن سلمان: «الناس يأتون لزيارة هذا المعرض ليس لرؤية قطعة أثرية أو قطع جميلة ورائعة فحسب، ولكن أيضاً ليشاهدوا عظمة الحضارة الإسلامية وأن العالم العربي الذي خرجت منه هذه القطع في الدولة الأموية والدولة العباسية كانت تعيش عصرا ذهبيا، ونحن ننظر إلى أن خسارة هذا العالم لمشاركة العالم العربي والإسلامي في بناء مستقبل البشرية هي خسارة للبشرية جمعاء وليس فقط خسارة لمنطقتنا، ولذلك مهمة إنقاذ العالم العربي التي يعمل سيدي خادم الحرمين الشريفين حفظه الله الملك سلمان اليوم على القيام بها وجمع الشمل ليتحد العالم ومكافحة الآفات التي أصابت العالم العربي والإسلامي، إنما هي مهمة للعالم أجمع الذي استفاد عبر تاريخه من حضارات المنطقة التي يحزن القلب أن نراها حالياً في هذا الوضع».
احترام كبير للثقافة الإسلامية
من جهته اعتبر السفير السعودي في برلين عواد العواد، أن إقامة المعرض الألماني عن عواصم الثقافة الإسلامية الأولى في المتحف الوطني بالرياض، جاء نتاج التعاون القائم بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والمتحف في برلين، مبيناً أن التعاون بين المتاحف شيء مهم لمد جسور التعاون والمحبة بين الدول، وليس هناك أفضل من لغة الثقافة ولغة الفن، مشيراً إلى أن وجود المتحف الإسلامي في برلين اليوم في قلب الرياض، هو أكبر دليل على هذا التلاقي وأكبر دليل على هذه الثقافة المشتركة فلغة الفن هي اللغة التي توحد شعوب العالم حسب تعبيره.
وأضاف السفير العواد «ألمانيا بالنسبة لنا هي دولة مهمة جداً وبالتالي حضورها وتواجدها اليوم بهذه الفعالية وفعاليات أخرى دليل أيضاً على أهمية المملكة العربية السعودية ومكانتها في العالم، ونحن نطمح إلى نقل الوجه الثقافي والفن الإسلامي للملكة سواء في برلين أو عواصم أوربية أخرى مستقبلاً».
وقال، «لا شك أن هناك اهتمام في الغرب بثقافة المتاحف والثقافة الفنية أكبر بكثير مما هو موجود في الشرق الأوسط ولكن الجهود المبذولة في الآونة الأخيرة من الهيئة انعكست بشكل إيجابي على اهتمام المملكة ونظرة المجتمع الدولي والعالمي لدور المملكة في تنمية الثقافة والحفاظ على التراث وتنمية المتاحف الإسلامية، وهذا جزء من اللغة التي يتحدثها العالم وهي لغة الثقافة ولغة التراث والفن الإسلامي وغيره، وإذا كان عندنا هذا الغنى وهذا التراث العظيم فيجب أن نبرزه للعالم، كما أننا شاهدنا السرور واضحاً على الجالية الألمانية بالاطلاع على معرض العواصم الإسلامية وهذه الثقافة الرائعة على مر مئات السنين من الفن الإسلامي الكبير، لذلك هناك احترام كبير للثقافة الإسلامية وهذا لا يأتي بدون إبرازها بشكل جميل، لذلك ما رأيناه اليوم كان دليلاً على أن هناك عملا كبيرا تقوم به المملكة في هذا المجال».
أفضل مجموعات الفن الإسلامي
بدوره نوه سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى المملكة بوريس روغة بأهمية المعرض وقيمته التاريخية، وقال: «أتمنى أن يقوم هذا المعرض بالتعريف بمتحف البيرجامون في برلين على نطاق أوسع في المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان.
وأضاف: «يحتوي المعرض على مجموعة من أفضل مجموعات الفن الإسلامي في العالم، وهو أكثر بكثير من مجرد متحف تقليدي، ولاشك أن مما يثير الحزن ما نراه يحدث الآن في مدينة دمشق ومدن العراق من تدمير وقد كانت حاضنة لهذه الحضارات الإسلامية، إلا أننا نتطلع إلى اليوم الذي يتمكن فيه الشعبان السوري والعراقي من تحديد مستقبلهم بحرية وبذلك سيتم التغلب على التطرف والطائفية. وأنا واثق من قدوم هذا اليوم.
برنامج معارض للحضارة الإسلامية
ويشير نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، المشرف العام على مشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، الدكتور علي بن ابراهيم الغبان إلى أن معرض «عواصم الثقافة الإسلامية الأولى»، يأتي في إطار التعاون الثقافي القائم بين المتاحف الألمانية وهيئة السياحة والتراث الوطني وتعزيزا للعلاقات بين المملكة وألمانيا في المجالات الثقافية، وتبادل الخبرات في ميدان المتاحف والدراسات والتنقيبات الأثرية.
وقال الدكتور علي الغبان إن الهيئة وفي إطار جهودها لتعزيز التوعية والتعريف بتراثها الحضاري والتواصل الحضاري مع العالم، أطلقت معرض طرق التجارة الذي طاف العديد من عواصم العالم، بنفس الوقت أيضاً، نحن ننظم مجموعة أخرى من المعارض تأتي من المتاحف العالمية إلى المتحف الوطني، وهذه المعارض لها عنوان ومظلة أطلقنا عليها اسم (الإسلام والعالم)» وذلك في إطار مشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري.
وأوضح الدكتور الغبان، أن معرض عواصم الثقافة الإسلامية الأولى يمثل باكورة هذه المعارض وهي تشمل قائمة منها الإسلام والصين، صقلية والعالم الإسلامي وأيضاً مناطق أخرى في أفريقيا وغيرها، فهو ليس عملا منفردا بل يأتي في إطار التعاون الثقافي القائم بين المتاحف الألمانية وعلى رأسها بيرجامون وهو أشهر متحف في برلين وهيئة السياحة والمتحف الوطني في المملكة، ويأتي ضمن إطار برنامج متكامل لعرض المزيد في المستقبل القريب.
وأضاف نائب رئيس الهيئة «على مستوى العالم فإن المتاحف هي منابر ثقافية مهمة يستطيع من خلالها الإنسان أن يرى ويسمع وهي تعطيك المعلومة مجسمة وبالبعد الثالث «.
روابط فكرية وحضارية
من جانبه يبين مدير متحف الفن الإسلامي في متحف البيرجامون الألماني في برلين الدكتور ستيفن ويبر، إلى أن المعرض يسلط الضوء على أهم وأبرز الأحداث التاريخية في فترة صدر الإسلام، ويبرز الثقافة والحضارة في ذلك الحضر، والفن الجديد الذي ظهر من جذور هذا التاريخ وانتقل عبر العالم.
وأضاف: «الحضارة الإسلامية ربطت بين أسبانيا في الغرب والصين في الشرق، وأضافت على الثقافات السابقة وهذا أمر في غاية الأهمية، والأمويون والعباسيون أمثلة رائعة على الحركات الثقافية والفكرية، فالكثير من القطع التي نراها في المتاحف نابع من الحركة الثقافية هذه وقد نطلق عليها الهجرة الفكرية، والهجرة المعرفية، وهجرة التجربة البشرية، وعند الحديث عن الثقافات ندرك أنها روابط. وأننا جميعا مرتبطون ببعضنا البعض. تواريخنا مرتبطة وهو ما يجب توصيله للجماهير.
وأشار إلى أن متحف الفن الإسلامي ببرلين يقوم بأعمال توعوية وتعليمية في أكثر من 600 مدرسة لتوعية الألمان بتاريخ العالم الإسلامي وثقافته، والآن فتحنا الأبواب لآلاف اللاجئين لإيجاد ما يربطهم بثقافتهم وبالثقافة الألمانية.
وأضاف: «سيتم افتتاح معرض جديد للفن الإسلامي عام 2020، في إحدى أقدم المتاحف للفن الإسلامي في الغرب وأكبرها كما أنه الأكثر زيارة. فنحن نستقبل حاليا حوالي مليون زائر. يقدمون لتعلم المزيد عن الفن الإسلامي ونأمل أن نحظى بالمزيد مستقبلا. لذا أصبحت لنا واجبات كمتاحف في مجتمعاتنا فنأمل أن نكون أداة ذا منفعة. ويمكننا بالتعاون مع المتحف الوطني في وضع برنامج يعود بالنفع على مجتمعاتنا.
آلاف القطع الإسلامية في متحف البيرجامون
وتقول خبيرة الآثار أمينة متحف الفن الإسلامي بمتحف البيرجامون ببرلين البروفيسورة جيسيلا هيلميك إن متحف البيرجامون يحوي الآلاف من القطع التراثية والأثرية من عصور كثيرة، أهمها العصر الإسلامي المتقدم كالعصر الأموي والعباسي اللذان شهدت خلاله الحضارة الإسلامية أوج ازدهارها في مختلف الجوانب منها البناء وكذلك مختلف نواحي الحياة، والتي خلفت تاريخاً زاهرا يعد الأبرز في وقتها، لافتة إلى أن بعض المعروضات المستضافة في المتحف الوطني يصل عهدها لـ 1500 عام مضى من عهد الحضارة الساسانية بمنطقة العراق، بالإضافة إلى آثار من العهد الأموي والعباسي وحتى العهد العثماني.
وأضافت خبيرة الآثار الألمانية إن ما تمتاز به مشاركتنا هو أن بعض الآثار التي ستعرض في المتحف الوطني لا تُظهر في متحفنا بشكل مستمر نظير حساسيتها من عوامل الجو والإضاءة والنقل من مكان لآخر، فهي بالتالي تحتاج لعناية وحرص شديد من قبل القائمين على المتحف من خلال التنظيف والصقل والترميم وخلافه، والخبرة الكبيرة في هذا المجال هو مطلب التعامل معها.
ولفتت إلى أن إبراز الحضارة الإسلامية في هذا الوقت يعتبر أمراً هاماً نظير ما قدمته تلك الحضارة من تقدم في مختلف المجالات والعلوم، ومن المهم أن يعرف جيلنا والأجيال القادمة أهمية هذه الآثار والحضارات السابقة، وما ساهمت من ازدهار نعيشه حالياً، مشيرةً إلى أن الآلاف من الزوار أبدوا إعجابهم بالحضارة الإسلامية التي قدمت نقلات كبيرة في تاريخ وحضارات العالم، لذلك حرصنا نحن في المتحف أن نقدمها أيضاً في مركز الحضارة الإسلامية الرياض.
وأوضحت البروفيسورة هيلمك أن اختيار الآثار المشاركة في المتحف الوطني بالرياض أتى بعد دراسة حالة كل قطعة من الآثار من قبل المختصين ومعرفة إمكانية نقلها إلى السعودية من عدمه، وتوفير الأشخاص المؤهلين في تغليفها وأيضاً تركيبها خلال المعارض والمتاحف التي تجوبها، مبينة أن اختلاف آلية الحفاظ على الأثر ونقله يعود إلى المادة المصنوعة منه في الأساس التي في غالبها لا تخرج من ورق وحجر أو خشب وأحياناً عظم، بالإضافة إلى تماسك العينة وقابلية نقلها، وكذلك المواد المستخدمة في تغليفها، ولا ننسى المناخ المحيط بكل قطعة أيضاً.
وأكدت خبيرة الآثار الدولية أن من الأمور التي ستشد الزوار كثيراً عدد من قطع الآثار التي لاتوجد لها مثير في العصر الحالي منها، عدد من الآثار التي كانت تستخدم في سور مدينة سامراء قديما معتبرة أن وجود هذه الآثار بالإضافة إلى العشرات الأخرى المتميزة، وأيضاً التصميم الذي تم به تجهيز الجناح الزائر كل هذه العوامل مجتمعة ستبهر الزوار والمهتمين بالآثار والتاريخ.
دعوة لزيارة الجمهور
من جهته دعا جمال عمر مدير عام المتحف الوطني الجمهور لزيارة المعرض الذي يمتد لثلاثة أشهر، مبينا أن مواعيد الزيارة تبدأ من الساعة الثامنة صباحا إلى الثامنة مساء.
وقال بأن المعرض فرصة فريدة للاطلاع على مجموعة من أثمن القطع الأثرية المعروضة في أحد أهم وأشهر متاحف العالم وهو متحف البيرجامون بمدينة برلين، وهي قطع تبرز الحضارة الإسلامية في أوجها خلال الدول الاموية والعباسية والعثمانية.
وأكد أن المتحف الوطني ومتحف البيرجامون عملا على أن يخرج المعرض بأفضل صورة من خلال طريقة العرض والتقنيات المستخدمة لتتواءم مع القطع المهمة المعروضة، خاصة وأن القطع متنوعة ما بين تحف معمارية وأنواني ومقتنيات وحلي وغيرها مما أعطى تنوعا وثراء للمعرض.