فهد بن أحمد الصالح ">
إذا أردنا قياس ثقافة إدارية في أي المجتمعات كانت فعلينا أن ننظر إلى العناية بالمتقاعد الذي أخذته الوظيفة كما يقول المثل لحما ورمته عظما، وهو واقعنا المشاهد لأنه بعد أن ساهم في خدمة مواطن وتنمية وطن سلبت كل المزايا التي كان عليها بعد تقاعده وليت الأمر وقف على ذلك بل إن راتبه التقاعدي لم يبق منه إلا 60 % لأنه التقاعد في بلد الخير يحسب على الراتب الأساسي وتحذف منه كل البدلات وهذا للعسكري والمدني، بالإضافة إلى تركه يصارع الحاجة والعوز، فالموظف الذي على رأس العمل يأخذ علاوة سنوية مقابل غلاء المعيشة وإن كانت 5% فيقابل جشع التجار بزيادة راتبه وكأن المتقاعد بعد تقاعده لم يعد يشتري ولا يصرف على أسرته وزيادة الأسعار وغلاء المعيشة لا تؤثر عليه، هذا غير حرمانه من التأمين الطبي الذي كان يأخذه أثناء عمله، واليوم إن أراد التأمين على نفسه فإن الوثيقة ترتفع كلما ارتفع العمر وكيف به يحقق ذلك مع راتب لا يسد رمق العيش الأساسي، ناهيك عن أناس لم تصل رواتبهم التقاعدية لبضع مئات من الريالات وليس الآلاف أو عشراتها، وأصبح البلد الرمز يتركهم إلى الجمعيات الخيرية ومساعدات المحسنين في وقت هم ينتظرون الوفاء معهم مثلما كانوا أوفياء معه حتى وإن كانوا بسطاء والبعض غير مؤهلين علمياً أو مهنياً.
ونقدر دون شك أن صندوقي التقاعد هي رحمة للمتقاعدين وأنها تؤخذ من رواتبهم نسبة مقننة وتدفع الدولة مثلها ثم تدفع تلك الصناديق الراتب التقاعدي حسب سنوات الخبرة والراتب الأساسي ولكن لماذا لا نرى خدمات تقدمها الصناديق للمتقاعد من باب المسؤولية الاجتماعية التي أصبحت واجبا على كل قادر بل إن الدولة ترحب بها وتحث عليها، ولا نرى إطلاق برامج خيرية وخدمية مع القطاع الخاص الذي لا يتوارى عن تقديم برامج تنفع المجتمع عامة وكيف بمجتمع المتقاعدين علماً أن هناك تخفيضات تقدمها تلك الصناديق للمتقاعد ولكن عدمها أفضل من وجودها، ولم نر طرح مبادرات لها لإقامة مشاريع تخدم المتقاعدين أنفسهم من خلال تبرعهم بجزء يسير جداً من رواتبهم وإقامة شراكات مثل الجمعية الوطنية للمتقاعدين خاصة إذا علمنا أن عدد المتقاعدين في النظامين يتجاوزون مليون متقاعد كأن يبنى بها أندية صحية ورياضية وديوانيات اجتماعية وغيرها، ولماذا نترك المتقاعد يعيش حالة من القلق والترقب والخوف بعد أن أعلن مجلس الشورى أن هناك 50 مليارا لدى وزارة المالية مستحقة بل واجبة السداد لمعاشات التقاعد، وأعلن أكثر من مرة وسائل الإعلام عن دراسات تتوقع إفلاس الصندوق المدني والعسكري خلال 8 سنوات ؟.
ومثلما نؤمن أن الاستنفاع من استثمار مخصصات المتقاعدين حق لتلك الصناديق فإننا نتساءل عن فوائد التحويل من الصناديق إلى البنك المخول بصرف الرواتب للمتقاعدين والتي تأخذ من خمسة إلى ثلاثة أيام في البنك قبل أن يتيح للمتقاعد الاستفادة من راتبه التقاعدي، أليس الأولى بتلك الفوائد أن تكون للمتقاعدين، ثم أليس الأولى والمستحقات الشهرية بمئات الملايين والسنوية بعشرات المليارات أن ينشأ بنك خاص للمتقاعدين يدير أموالهم إدارة تجارية بحتة ونعلم جميعاً كيف هي أرباح البنوك السنوية ومعدلات النمو فيها، ويستقطب أبناء المتقاعدين قدر الإمكان في الوظائف في هذا البنك وفروعه وتصبح ميزة تنافسية عند التقديم للوظيفة أن المتقدم ابن لمتقاعد حسابه في هذا البنك، ألن تكفي أرباح هذا البنك الحلم الذي سبق أن دعى إليه الرمز الاجتماعي علي الجميعة عندما كان عضوا في الهيئة الاستشارية للجمعية الوطنية للمتقاعدين وحاربت الفكرة بنوك قائمة تكاليف التأمين الطبي للمتقاعدين وغيره مما يهم المتقاعد وفق دراسات دقيقة ذات جدوى اقتصادية واجتماعية، أليس موظف اليوم هو متقاعد الغد حتى نقف في وجه كل مشروع وطني يحقق العيش الكريم لرجل هذا الوطن الذي صدق في محبته وولائه ودفاعه عنه ومساهمة أجداده في توحيده مع المؤسس رحمهم الله.
ختاماً ,, طرح هذا الموضوع أكثر من مرة من مئات الكُتاب وبكل وسائل الإعلام ولعقود طويلة ولم نلتمس انفراجاً له، واليوم بعد تشكيل مجلس الاقتصاد والتنمية وتشبيب المصالح الحكومية عاد الأمل من جديد لقراءة مستقبل التقاعد والمتقاعدين خاصة وأن التفكير التقليدي أصبح من ثقافة الأمس في عهد سلمان العزم والحزم والحسم، ولعلنا نسمع قريباً عن التفكير خارج الصندوق في كل ما يخص شأن المتقاعد ومنحه علاوة سنوية بنفس معدل التضخم كأقل تقدير مع رفع الرواتب ليكون حدها الأدنى 3000 ريال، وإقرار إنشاء بنك للمتقاعدين يدار إدارة تجارية وتصب أرباحه في مصالحهم ومصالح المستفيدين من الورثة وفق نظام خاص به، والجميع على يقين أن أرباح هذا البنك ستكفي الدولة عناء تكاليف الكثير من البرامج والاحتياجات، والبنك سيبرز اهتمام الدولة أعزها الله بالمتقاعدين وستكون قدوة دولية، ونتطلع من الأجهزة العسكرية أن تجد حلاً لاحتساب الحوافز والبدلات في راتب المتقاعد العسكري وتحسم منه فور تمتعه بها ولو كانت على مراحل سابقة، وستجد صندوق التقاعد حساباً اكتوارياً ينفع المتقاعد ولا تضيع به الفائدة على الصندوق وعند ذلك سنكفل الحياة الكريمة لرجال هذا الوطن مثلما يوجه قادة البلاد المسؤولون بتحقيقه فهي أمانة واجبة التحقيق.
- عضو جمعية المتقاعدين بالرياض