المدينة المنورة - علي العبدالله:
عندما دخلت جدة القديمة التاريخ من أوسع أبوابه وذلك بانضمامها إلى قائمة التراث العالمي اليونسكو وذلك لما تتمتع به من قيمٍ جمالية وطراز معماري يعكس التراث والثقافة الحجازية السعودية، لم يكن هذا شأناً يخص السياحة وأهلها فقط بل أصبح شأناً يخص كل ما يتعلق في هذه المنطقة بتراثها العريق وثقافتها وعندما نتحدث عن التراث نحن نعني هنا الفنون والشعر الشعبي و(المفردة) الحجازية الأخاذة التي يعشقها الجميع. في جدة القديمة وتحديداً في حارة المظلوم عام 1940م دوت أول صيحة لطفلة حجازية غيرت مسار الأغنية السعودية، غيرتها للأفضل والأبهى والأجمل وبسبب تأثيرها القوي من الناحية الثقافية والغنائية سمي أحد شوارع جدة القديمة بشارع قابل، إنها سيدة الشعر الغنائي الأولى ثريا قابل التي سبقت عهدها وزمانها وخرجت بأول ديوان شعري نسائي بعنوان (الأوزان الباكية) وكان ذلك في عام 1963م.
ثريا قابل صنعت المفردة الحجازية بذوقها الرفيع واستطاعت أن تضع لها مكانة رفيعة في الأغنية السعودية بل وتسيدت هذه المفردة وأغانيها الساحة الفنية لفترة من الزمن حيث تعاونت قابل مع أهرام الأغنية السعودية حيث قدَمت مع طلال مداح مجموعة من الأغاني منها (بشويش عاتبني)، (من بعد مزح ولعب)، (يامن بقلبي غلا)، ومع محمد عبده في (واحشني زمانك) ومع الراحلة عتاب في (جاني الأسمر جاني)، وكذلك كونت توأمة جميلة مع فوزي محسون كما تعاونت مع عبادي الجوهر.
ثريا قالت عن حياتها «حياتي صدفة كبيرة لم أسع لشيء، وجدت نفسي فجأة مصهورة داخل بوتقة الشعر ومعجونة بهم إنساني كبير» . لعل هذه الكلمات العميقة التي عبرت فيها الشاعرة والصحافية والأديبة الحجازية ثريا قابل عن نفسها تعكس شخصيتها وحياتها وتفاصيلها فهي البنت الحجازية التي عايشت فترات تاريخية مختلفة أثرت فيها، فعبرت عن الهم الإنساني الذي يسكن قلبها وروحها، وما أجمل الهم عندما تكون نتائجه مثمرة وإيجابية نتذوق فيها شعراً بنكهة الفتاة الحجازية (الشقية) المغرمة حد الجنون والولع بمن تحب التي (تمردت) قليلاً إن صح التعبير على بعض الحواجز فقفزتها (بخفة) وقبول جعلت أبياتها الشعرية تنتشر هنا وهناك.
ثريا قابل همها لم يكن فقط الهم الأدبي بل عايشت هموم الصحافة في فترة من الفترات التي طرقت فيها أبواب صاحبة الجلالة وكان لها تجارب هنا وهناك في أكثر من صحيفة محلية كعكاظ والرياض وتجارب مهنية صحافية أخرى.
مؤخراً ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بأصوات تتعالى بشكلٍ تصاعدي مطالبة بتكريم هذه الأيقونة الشعرية النادرة التي قد لا يتكرر مثلها في السنوات القريبة القادمة وذلك ضمن هاشتاق بعنوان (#كرموا_ثريا_قابل) وتفاعل الكثيرون بمختلف فئاتهم العمرية حول هذا الهاشتاق مطالبين بضرورة تكريمها وبأن يكون هذا التكريم يتناسب مع تاريخها وإنجازاتها الكبيرة، وأجمع الكثيرون على أهمية وضرورة تكريم الشاعرة ثريا قابل بل أن البعض توقع وتمنى أن يتم التكريم في مهرجان الجنادرية الثقافية، فهل يتحقق ذلك قريباً؟