طالعت في عدد الأربعاء الأول من جمادى الأولى 1437هـ مقالاً للدكتور محمد الخازم بعنوان (حول خصخصة التعليم) ولا بد من التأكيد على أن خصخصة التعليم العام لا تعني بأي حال من الأحوال تخلي الدولة عن واجباتها والتزاماتها لضمان توفير الفرص التعليمية لأبناء المجتمع كافة بمختلف فئاته وشرائحه، ذكوراً وإناثاً، من أقصى الوطن إلى أقصاه.
الخصخصة في التعليم العام ليست أمراً جديداً، بل إن المبادرات الفردية والأهلية لإنشاء المدارس والكتاتيب، سبقت ولادة النظام التعليمي الرسمي مع بداية توحيد المملكة العربية السعودية، استناداً إلى الإرث الإسلامي التربوي الذي تعددت فيه إسهامات الأهالي والأفراد في دعم التعليم، ثم توسعت وتعززت عبر عصور الدولة الإسلامية من خلال مفهوم «الوقف التعليمي». بل إن عهد المليك المؤسس - طيّب الله ثراه - شهد مباركة ودعماً حكومياً للجهود الأهلية في تقديم الخدمات التعليمية. ولا يزال الدعم الحكومي للمدارس الأهلية حتى وقتنا الحالي مستمراً.
إن قضية الخصخصة في قطاع التعليم العام بثوبها الجديد تأتي في إطار توجه الدولة من خلال خططها التنموية الخمسية باعتبار القطاع الخاص شريكاً إستراتيجياً في مسيرتها التنموية في مختلف القطاعات، ومن بينها قطاع التعليم العام، الذي تمثّل فيه المدارس الأهلية نسبة متدنية تصل إلى نحو 7 إلى 8 في المائة من إجمالي مدارس التعليم العام، ونحو 5 إلى 6 في المائة من إجمالي الطلبة في مؤسسات التعليم العام.
وفي إطار المشروع الوطني لتطوير التعليم العام (تطوير) الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, يرحمه الله، متضمناً البرامج الكبرى الأربعة المتعلقة بتطوير المنهج، والمعلم، والبيئة المدرسية، والنشاط التربوي بتكلفة إجمالية تقدر بنحو تسعة مليارات ريال سعودي، برزت فكرة إنشاء شركة وطنية خاصة تتولى الإشراف على إدارة مشروع (تطوير) وتشغيله على أسس اقتصادية تتيح فرصة المنافسة بوصفها إحدى الركائز الأساسية لضمان الكفاءة والفاعلية في العملية التعليمية، وبما يسهم في تجويد المنتج التعليمي، وبما يحقق المواءمة بين برامج التعليم العام ومتطلبات سوق العمل أو يعزز الترابط والتكامل مع برامج مرحلة ما فوق التعليم الثانوي.
ومن المتوقع أن يسعى مفهوم الخصخصة في قطاع التعليم العام لتفعيل «مبدأ المنافسة» في توفير الخدمات التعليمية، و»مبدأ حرية الاختيار» في انتقاء الخدمات التعليمية. وبمعنى آخر فإن وزارة التربية والتعليم قد تفتح باب المنافسة للقطاع الخاص بإدارة المدارس وتشغيلها، ويمكن للوزارة من خلال استصدار كوبونات أو قسائم تعليمية أن تتيح الفرصة للطلبة وأهاليهم لانتقاء المدرسة التي يتم الالتحاق بها وفقاً لمستوى البرامج والأنشطة التي تقدمها والتي ينبغي أن تخضع لمعايير الجودة والاعتماد المدرسي.
وعلى وجه العموم فإن وزارة التربية والتعليم يمكن أن تفتح آفاق الخصخصة لقطاع الأعمال وفقاً للضوابط والمعايير والمواصفات التي تضعها في أربعة مجالات رئيسة هي: إدارة المدارس بمختلف أنواعها ومراحلها وتشغيلها، أو فيما يتعلق بإنشاء المباني والتجهيزات المدرسية، أو فيما يخص بعض عناصر العملية التعليمية مثل بناء المنهج المدرسي أو توفير برامج تدريبية للتنمية المهنية للقيادات وشاغلي الوظائف التعليمية، أو إسناد بعض الخدمات التعليمية المساندة مثل النقل المدرسي، والمقاصف المدرسية إلى القطاع الخاص.
ولعل هناك مَن يقول إن عديداً من مجالات الخصخصة وأساليبها المشار إليها يتم الأخذ به في الوقت الحالي, فما الجديد في خصخصة قطاع التعليم العام؟!
إن الجديد في خصخصة قطاع التعليم العام أنها ينبغي أن تتم وفق إستراتيجية محددة واضحة الأهداف تعمل على تحقيق التوازن بين التعليم العام الحكومي والأهلي، وتعتمد على التوعية الواعية بالخصخصة ونشر ثقافتها بين أفراد المجتمع على وجه العموم، ومنسوبي ومنسوبات قطاع التعليم العام على وجه الخصوص، وإرساء قواعد نظام إداري مرن وفاعل يستند إلى قاعدة معلوماتية لجميع أوجه فرص الخصخصة في هذا القطاع الحيوي، ويمتلك القدرة على تسويق مشاريع وبرامج الخصخصة في القطاع التعليمي وفقاً لمعايير الجدوى الاقتصادية والجودة التربوية، وفي ظل إطار قانوني يراعي مبدأ العدل والمساواة وإتاحة الفرصة التعليمية لجميع أبناء الوطن ويعالج العوائق الاقتصادية والاجتماعية كافة التي تعوقهم من الحصول على فرص الاختيار لتعليم أفضل، وأخيراً في ضوء نظام تقويمي يعتمد على أسلوب التكلفة والفاعلية لتحديد نتائج الخصخصة والفوائد المتحققة منها.
مروان السالمي - جامعة الملك سعود