محمد حطيني ">
لربما كان كثيرون مثلي يرنون إلى عمل عربي مشترك صريح وواضح ذي دلالات ورسائل إلى أرجاء العالم كافة، أن الخير في أمة العرب باقٍ فيها، وأن فيها من هم حريصون عليها، يعملون لصالحها على مر الزمان، وفي زمان تآكلت فيه أجزاء من الوطن العربي وغدت مرتعا للأغراب يتكالبون عليها في مرحلة من أصعب ما مر على الأمة بعد حقب من مكافحة المستعمرين انتهت برحيلهم عن هذا الوطن الكبير الذي يتعرض لمؤامرة شرسة لها أبطالها على حد سواء من دول الجوار ومن يتآمر معهم على كسر شوكة هذه الأمة. وبعد عاصفة الحزم والأمل، والتحالف العربي الإسلامي الذي أعلن عنه قبل حين، ها هي المملكة العربية السعودية تأخذ زمام المبادرة مرة أخرى قولا وفعلا، لتؤسس من جديد لقوة عربية وربما إسلامية لا نعلم عديدها، ولكنها على الأرجح تضم العشرات من الألوف، تبدأ أولى مناورتها في شمال المملكة، وتطلق من خلالها، ركنا جديدا من أركان العمل العربي المشترك الذي أمسكت المملكة بزمامه بعزم لا يلين.
وبالرغم من أن ثمة أقلاماً هونت مما سيكون لهذه القوة من تأثير من الناحية العسكرية، بزعم التكلفة الباهظة التي ستترتب عليها في حالات الحروب الفعلية، إلا أنه كلام مردود إلى كتابه وأصحابه، إذ إن الحروب لا بد أن تكون ذات تكلفة وبها تضحيات جسام، كما كانت على مر العصور، وتأثيراتها في النهاية تكون بما تحصده من نتائج، ومن هنا في عصر التكتلات العالمية، فإن هذه القوة إيجابية دلالاتها تستقرأ من توالي صناعة القرار المبادر في المملكة العربية السعودية، التي تعمل بلا كلل على جمع كلمة الأمة سياسيا وعسكريا، لقي آذانا صاغية وصدى في العديد من الدول العربية بدءا من مصر والأردن، وانتهاء بدول الخليج العربي والسودان.
أولى الدلالات التي تستقرئ من مناورة رعد الشمال التي تبدأ وربما تكون قد بدأت، أنها تأتي في سياق منظور جديد يتمثل من خلال هذه القوة في أخذ المبادرة لحماية الأمن العربي ككل في وطن تعرض للعديد من الهزات في السنوات الأخيرة على صعيد أكثر من دولة، لا سيما محاولات التدخل المجوسي البائسة الذي أخذت المملكة العربية السعودية على عاتقها الوقوف أمامه ووضع حد له حتى لا تقوم له قائمة مرة أخرى، وهي تذكرنا بماض قريب خاضت فيه سوريا ومصر معا حرب تشرين المجيدة وشاركتها قوات من دول عربية أخرى في ذلك الوقت.
ما يستقرأ ثانية، أن هذه القوة ربما تكون نواة لوحدة عسكرية عربية، كيف لا وهي تضم قوات من أكثر الدول العربية تأثيرا في الوقت الحالي سياسيا وعسكريا وبشريا، بما في ذلك، المملكة العربية السعودية ذاتها، ومصر، والأردن وغيرها. وإذ لا يخفى أن التنسيق بين الوحدات العسكرية في القوة الواحدة من الضرورات العسكرية لتنفيذ مهام مشتركة في المعركة الواحدة، فكان لا بد من قيام هذه القوة بمناورات تحاكي الحروب الحديثة وتدعم ذلك الاتجاه بغية تنفيذ المهام الموكلة إليها بفاعلية واقتدار باستخدام الأسلحة الحديثة، بما تضمه من طيران ومدفعية ودبابات وصواريخ وغيرها.
من دلالات هذه المناورة أيضا رفع مستوى الكفاءة الفنية والقتالية للجندي العربي، وإعداده لخوض الحروب الحديثة حين تقتضي الضرورة. ونظرا للتحديات الجسيمة التي تحيط بوطننا العربي، فإن مناورة رعد الشمال تأتي أيضا في سياق التصدي للتحديات الأمنية وتكريس مبدأ حماية الاستقرار في الدول العربية وتفويت الفرصة على كل من تسول له نفسه التآمر عليها كائنا من كان.