محمد حطيني ">
لن نبالغ إذا قلنا من جديد أن المملكة العربية السعودية بصفتها المؤثرة اقتصادياً وسياسياً، وجملة قراراتها سواء في سوريا أو اليمن أو تجاه إيران زادت من رغبة القيادات العالمية بأعلى مستوياتها لتحط رحالها في الرياض بغية تقوية وتعزيز تعاونها مع المملكة، والتأسيس لعلاقة شراكة استراتيجية معها إثر قرارات حاسمة مفاجئة سياسية وعسكرية تركت آثارها وكان لها أبعادها، إقليمياً ودولياً، يضاف إليها ما اتخذته المملكة من ترتيبات على المستوى الداخلي، تؤسس لاقتصاد مستقبلي يزداد قوة وتنوعاً لا يعتمد على النفط فحسب، وهو ما يظهر قدرة المملكة الفائقة على التكيف مع التحولات الاقتصادية والسياسية العالمية، والتغيرات في موقف الدول الكبرى من القضايا الإقليمية التي تؤثر في السلم العالمي.
هذا الرسم الاستراتيجي الجديد للمملكة يأتي، على ما يبدو، تحديداً إثر تراجع الدور الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة في القضايا الدولية، والتباين في المواقف بينها وبين المملكة تجاه الملفات الساخنة في المنطقة لاسيما تجاه الموقف من الملف النووي الإيراني الذي يظل أحد البنود الهامة على جدول الأعمال العالمي، خصوصاً بالنسبة لدول الخليج التي تراءى لها تراخياً وخذلاناً في الموقف الأمريكي من طهران، وترجيح في كفة علاقاتها معها على حسابها وحساب المملكة العربية السعودية، علاوة على النهوض المتصاعد للدب الروسي الذي يعمل على استعادة ثقله الغابر في السياسة العالمية، الأمر الذي تنبهت له المملكة مبكراً، وما زالت بالرغم من اختلافها مع روسيا في الملف السوري، تبدي مزيداً من الاهتمام في تطوير علاقاتها معها، يضاف إلى ذلك، ما حققته المملكة العربية السعودية من نجاح استثنائي لم نألفه سابقاً في إقامة تحالف عربي إسلامي يضم أربعا ًوثلاثين دولة لمكافحة الإرهاب تحت قيادتها وإشرافها وكان له بحق تأثير مدوٍ في كافة أنحاء العالم، وهو ما عجزت قوى عظمى عن إقامة تحالف مثله إلا في احوال قليلة بعدد أقل من الدول بالرغم من اختلاف الأغراض الذين أنشئت لأجله تلك التحالفات.
نقول من هذا المنطلق والهدف الاستراتيجي للمملكة، جاءت زيارة الرئيس الصيني للرياض، الزيارة التي تركت صدى عالمياً، واختتمت بإعلان إقامة علاقة شراكة استراتيجية بين البلدين، وتوقيع أربع عشرة اتفاقية مختلفة نذكر منها تحديداً توقيع اتفاقية إنشاء الصين مفاعلاً نووياً في المملكة، وهو قرار مفاجئ آخر يحسب لحكومة خادم الحرمين الشريفين، تبرهن من خلاله على جلي استقلالية المملكة في اتخاذ قراراتها وفقا لمنظورها كواحد من الأطراف العالمية الفاعلة سياسياً واقتصادياً، إضافة إلى رسم خارطة جديدة لتحالفاتها الدولية وفقا لمقتضيات مصلحتها الوطنية العليا، وبما يتماشى معها ويلائمها.