هجرة! ">
أتملّص من جسدي لأقف على الشرفة وحيداً دون قيود..
السماء المحاذية لوجع يسري في فراغات المكان.. تجعلني أتخيل أن لجسدي روحَ صقر، أو حتى نورس، يأخذني من قيود الواقع لفضاءات شاسعة؛ كلُّ شيء هناك يختلف عن هنا. أسمع أنفاسي، وأستغرب كيف أني لم أعد أرغب في التلفظ باسم وطن تركته دون أسف..
لم يعلق بذاكرتي إلا لحظة انفلاتي منه.. حقيبة بحجم القلب المنقبض خوفاً وتوجساً، ولباسٌ تعمّدت أن يكون بلون الليل الذي خرجت تحت حلكته.. لم أحمل أوراقي ولا كتبي بالرغم من العشق الذي تولّد بيننا نكاية بكل الوجع الذي عشته، وانتقاماً لعمر مرّ كقطار سريع، بلا فرح أو أمل.
الزقاق كان يبدو موحشاً، لكنه آمن. المنازل تنبعث منها أضواء متفرقة، الفرق بيننا وبينهم أنهم حتى في نومهم يتركون الشموع مضاءة؛ كي لا تصطدم الأرواح بالكنبات والكراسي، وحتى تمر الأحلام من غياهب الروح لتعانق السماء..!
تثاءبتُ باستفزاز، وعدت إلى الجسد الممدّد على السرير. لم يكن لي هناك أحد. كانت الأرض تصلب أضلعي، والبرد يمزّق روحي البائسة.. الشراشف هنا تدللني بخبث؛ كي أقترف المقارنة بين ماضٍ مكفهر وحاضر يمنحني بعض ما حُرمت منه..
لن أعود يوماً لأمارس لعبة الحنين.. لن أتسلق ما تركته خلفي ليقال عني: بارٌّ بوطنه.. لم يكن لي هناك رفيقة، لم أخلّف نطفاً تروّج لإرث تداولته الأسماء في سجلّ الأحوال الشخصية.. والحقل الصغير الذي كنت لأزرعه بالورود عقيم!
شكراً لله على العقم، في وطن يُحرق الأجساد، ويقيّد الأرواح..!!
- عبدالله بن سُنكر
@binsunkr